وأجيب عنها: بأن المراد بالحد من كلامه - رضي الله عنه - مطلق التعريف أى: القول الشارح للماهية الجامع المانع بقطع النظر عن كونه بالذاتيات أو بالعرضيات كما هو اصطلاح الأصوليين أى: سواء أكان حدا أم رسماً عند المناطقة أخص من التعريف وقسيم للرسم وهو عند الأصوليين مساو للتعريف وأعم من الرسم فلا يعترض باصطلاح على اصطلاح.
المناقشة الثالثة: ما ذكره بعض الأصوليين، من أن هذا التعريف غير جامع
لجميع أفراد المعرف، فيكون تعريفا باطلا وذلك: لأنه قد اشترط فيه تماثل
الحكمين وتساوى العلتين فلا يشتل - حينئذ - قياس العكس
[قياس العكس هو إثبات نقيض حكم فى معلوم آخر لوجود نقيض علة فيه] ولنذكر مثالاً لذلك يوضحه وذلك بعد التمهيد له بمقدمة قصيرة هى أن الفقهاء، قد اتفقوا على أن من نذر (أن يعتكف صائماً) فإنه يشترط الصوم فى صحة اعتكافه فلا يصح هذا الاعتكاف بدونه ومن نذر (أن يعتكف مصليا) فإنه لا يشترط الصلاة فى صحة اعتكافه وإن كانت هذه الصلاة واجبة بنذرها فلا يجب جمعها بل يجوز التفريق بينهما.
واتفقوا كذلك على أنه لا تشترط الصلاة فى صحة الاعتكاف المنذور نذراً
مطلقاً أى مجرد عن نذرها معه.
فالصلاة ليست شرطاً فى صحة الاعتكاف أصلاً لا فى حالة نذرها معه ولا
فى حالة عدم نذرها.
ثم اختلفوا فى أنه هل يشترط الصوم فى صحة الاعتكاف المنذور نذراً
مطلقاً أى مجردا عن نذر الصوم معه؟ على قولين:
القول الأول: أنه يشترط الصوم فى صحة الاعتكاف فلا يصح الاعتكاف
بدونه وهو لبعض الفقهاء كأبى حنيفة -
القول الثانى: أنه لا يشترط الصوم فى صحة هذا الاعتكاف فيصح
الاعتكاف وهو قول الشافعى.
بعد هذا التمهيد نقول أَنه قد استدل أبو حنيفة لمذهبه هذا بما يتضمن صورة
لهذا النوع من قياس العكس المعترض به فقال:
إنما يشترط الصوم لصحة الاعتكاف حالة الإطلاق لأنه لما كان الصوم
واجباً حالة نذره فى الاعتكاف (أي: لما كان الصوم مع وجوبه بنذره مع