وهذا الجواب غير صحيح أيضاً: لأنه مبنى على أن الثبوت مترتب على
الإثبات وناشئ عنه مع أن العكس هو الصحيح كما ذكرناه وعلى ما سنبنيه
ونثبته.
ثم إن بعض المحققين لم يرتضه وزعم: أن التحقيق فى الجواب يقطع النظر
عن كون نتيجة القياس الثبوت أوالإثبات هو: أن هذا التعريف فى أوله حذف تقديره: دليل ذو إثبات كما بيناه فى الجواب الصحيح عن الاعتراض السابق.
ولكن هذا الجواب وإن أفاد فى دفع التباين فلا يفيد فى دفع الدور لأن لفظ
(إثبات) - مع التقدير - لا زال وارداً جزءاً فى التعريف ولذلك نقول: إن الجواب الصحيح الذى يدفع هذا الدور ويمنعه هو ما ذكره بعض المتأخرين من الشافعية:
مع أن التوقف الأول أى توقف القياس على الإثبات إنما هو: توقف من حيث التصور فى كل منهما أى: أن تصور القياس الكلى يتوقف على تصور الإثبات الكلى فى أى حكم أي: يتوقف على تصور إثبات مثل حكم معلوم فى معلوم آخر للاشتراك فى العلة.
وأن التوقف الثانى أى: توقف الإثبات على القياس إنما
هو توقف من حيث التصديق فى كل منهما أى: أن التصديق بالثبوت الخاص
يتوقف على تصور الإثبات الكلى فى أى حكم أى: يتوقف على تصور إثبات
مثل حكم معلوم فى معلوم آخر للاشتراك فى العلة.
وأن التوقف الثانى أى: توقف الإثبات على القياس إنما هو توقف من حيث
التصديق فى كل منهما أى: أن التصديق بالثبوت الخاص يتوقف على التصديق بالقياس الخاص بثبوت الحرمة فى النبيذ مثلا متوقف على التصديق بمقدمات القياس الجزئى أى: على التصديق بثبوت الحكم (الحرمة) فى الأصل وهو الخمر والتصديق بأن: العلة فى هذا الحكم (حكم الأصل) هي الإسكار والتصديق بأن هذه العلة موجودة فى الفرع وهو النبيذ.
فجهة توقف (القياس) على الإثبات مختلفة من جهة توقف الإثبات على
القياس فاندفع الدور وارتفع الإشكال.
هذا وقد بقى ما زعمه الإسنوى: من أن إمام الحرمين الجوينى قد أجاب
عن هذه المناقشة بما ذكره، فنقول: إن هذا الزعم باطل من أساسه وأن المناقشة التى أجاب عنها إمام الحرمين ليس الأمر فيها جارياً على ما فهمه الإسنوى بل حاصله:
أن الإمام قد عبر عن هذا التعريف - أى تعريف القياس بالإثبات - بالحد فقال:
ويحد القياس بالإثبات (أو حد القياس الإثبات) مع أن الإثبات خاصة من خواص القياس ولازم له فكان الواجب عليه التعبير بالرسم دون الحد لأن الحد إنما يكون بالذاتيات لا بالخواص والعرضيات.