كانت مكة على صلات تجارية قديمة بسوريا والعراق واليمن ومصر تحولت، بعدها إلى طريق لقوافل الشرق الأدنى، ثم إلى سوق رائجة في القرن السادس للميلاد، وحلت محل ما بار من أسواق الدول العربية. وذلك بحكم موقعها في وسط الطريق التجاري الجديد، وفضل سيادة قريش عليها، وإنشاء حلف الفضول فيها شبه جمهورية تجارية رتبت دوائرها ونظمت تجارتها وفرضت ضرائبها وأمنت أهلها فحفلت سوقها بسلع الدول العربية والحبشة وأفريقيا وفارس والشرق الأقصى، وشاعت فيها الدنانير البيزنطية والدراهم الفارسية والعملة الحميرية، هذا خلا النوق وكانت الوحدة النقدية بين العرب، وسيرت القوافل في رحلتي الشتاء إلى اليمن والصيف إلى الشام (?). وقد رجعت إحداها من غزة، ولم تكن بأكبرها، وفيها ألف بعير ومعها خمسون ألف دينار (?).
وكانت مكة عاصمة الحجاز مدينة دينية وسوقاً تجارية، غلبت عليها الوثنية على أقلية نصرانية ويهودية. وكانت قريش تقطن منها شعابها ويجاورها في أرباضها بعض الأحلاف الملتحقين بالأسر الملكية وجماعات ممن يتعاطون التجارة من سوريا ولبنان وبيزنطية، ويرتزقون بالموسيقى، ويحترفون الطب - وأشهرهم الحارث ابن كلدة خريج جند يسابور - وثمت جالية حبشية أسلم بعضها كبلال مؤذن الرسول. وعند ما اضطهد وأوذي المسلمون نصحهم النبي بالذهاب إلى الحبشة: فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق (?). وقد رحب بهم مليكها وأكرم وفادتهم (615).
وكان اليهود الذين لجأوا إلى الحجاز في القرن الثامن قبل الميلاد ينزلون أخصب الواحات حول مكة في تيماء وفدك ووادي القرى، ويسيطرون على الزراعة والمصارف والتجارة حتى إن قبيلة منهم احتكرت سوق يثرب فاستفزت الأوس والخزرج فيها وقريشاً في مكة فلما جاء الإسلام وضع حداً لسيطرتهم، ثم استن عمر سنة: لا بقاء