أسس دولتهم عمرو بن عدي بن لخم، واستتب لهم الملك على يدي امرئ القيس الأول (المتوفى عام 328) ثم ابتنى النعمان الأول (400 - 418) قصر الخورنق وحمل على النصارى. وخلفه ابنه المنذر الأول (418 - 462) فازدهرت الحيرة في عهده وبلغ من السلطان مبلغاً حمل الفرس على تتويج بهرام - وكان النعمان الأول قد رباه - ملكاً عليهم وأيدهم في قتال البيزنطيين (421) وزادت الحيرة تألقاً أيام المنذر الثالث ابن ماء السماء (505 - 554) فأصلح بين قبيلتي بكر وتغلب (525) وقاتل البيزنطيين في سوريا وبلغ بغاراته أنطاكيه فنشط الغساسنة لملاقاته فأسر أحد أبناء ملكهم الحارث الثاني وقدمه ضحية للعزى (544) تقديمه أربعمائة راهبة. ثم ظفر به الحارث وقتله في وقعة قرب قنسرين (554) وخلفه ابنه عمرو بن هند (554 - 569) وقد نسب إلى أمه - وكانت أميرة غسانية بنت في الحيرة ديراً ظل معروفاً بدير هند حتى القرن الثاني للهجرة - وسقطت الأسرة اللخمية بنهاية النعمان الثالث (580 - 602) وهو ابن المنذر الرابع، وقد تنصر في قصة مشهورة، على المذهب النسطوري، وهو أقل المذاهب كراهية عند الفرس؛ إلا أن كسرى استدرجه لخلاف عائلي بين العرب إلى عاصمته وألقاه تحت أقدام الفيلة، وولى الملك بعده إياساً ابن قبيعة من بني طيء (602 - 611) وجعل إلى جانبه مقيماً فارسياً، فثار العرب لمقتل مليكهم وطفقوا يغيرون على حدود فارس حتى ثلموها، وهزموا فيالقها هزيمة ساحقة في ذي قار (610) واستمروا في الحيرة قوة قبلية ضاربة حتى الفتح الإسلامي فيسروه للفاتحين ومشوا في ركابهم.
لئن كانت حضارة الحيرة، وقد كشف عنها رايس (1934) دون حضارات العرب التي مرت بنا، فقد تكلمت العربية مثل بعضها وكتبت بالآرامية إلى جانب العربية مثلها. وأنشأ اللخميون في الحيرة بلاطاً شبه فارسي وعنوا، كالفرس، بالموسيقى والشعر، فتمثلت حضارتهم فيما روى الشعراء عن قصورهم وبطولتهم وثرائهم، ومن فحول الشعراء الذين أموا بلاطهم: طرفة بن العبد، والحارث بن حلزة، وعمرو بن كلثوم.