وآداب وفنون تعليمهم أبناء مللهم في أوطانهم، لرجح العلمي على الديي رجحاناً كبيراً.

ولئن استجاب بعض الملوك والأمراء والوزراء إلى اتباع الفاتيكان فأعانوهم على مآربهم بعض الوسائل إلا أنهم لم ينقادوا لهم فيها تمام الانقياد، ولهم أغراض غير أغراضهم: فشارل مارتل، ولويس التاسع صادراً أموال الكنيسة للإنفاق على حروبهما. وروجه الأول أضاف شارة محمد إلى شارة المسيح في ضرب نقوده، والحملات الصليبية نفسها لم تكن جميعها خالصة لوجه الدين، فالحملة الأولى استبعدت ملوك فرنسا وإنجلترا وألمانيا لأنهم كانوا مطرودين من حظيرة الدين. واتهم الفاتيكان فردريك الثاني ملك صقلية بالتواطئ مع المسلمين على المسيحية، وعندما تولى أمر الحملة السادسة وما زال محروماً، أشاد شعراء الفرنجة بنجاحها وإخفاق حملة الملك لويس القديس. وتعاون السلطان الغورى مع البنادقة الكاثوليك على البرتغاليين الكاثولياء. وحرم البابا تجارة البندقية وجنوى مع المسلمين فلم يفلح. وخرجت بعض الجامعات التي أنشأها رجال الدين على الكنيسة، فذهب من جامعة بولونيا، القول المأثور: حيث يجتمع ثلاثة أطباء يكون اثنان منهم كافرين. وأقر لويس الحادي عشر ملاك فرنسا تدريس أرسطو بشرح ابن رشد في جامعة باريس، على الرغم من تحريم الفاتيكان إياها بقرارات متواترة. وأنفذ كارلوس ملك إسبانيا زعيمة تيرولياً على رأس فريق من المرتزقة فهبوا رومة، وهتكوا أعراض المحصنات، وأعملوا السيف في رقاب الناس حتى المرضى واليتامى والمحتمين بالكنائس.

ثم جاء عهد الإصلاح الديني الذي قدم أوربا إلى معسكرين داميين فصل البروتستانت عن الفاتيكان. وتبعه عصر المفكرين الأحرار، والثورة الفرنسية، والمذاهب المستحدثة في العلوم والفنون والآداب، وانفصال الدولة عن الدين. وامتلاء عصرنا بالأفكار العلمية الحرة، جديع ذلك يدل دلالة واضحة على أن الغرب لم يكن أو يبق على حال واحدة من التفكير الديني والتعصب له مقروناً بالاستعمار، وأن ملوكه وأمراءه ووزراءه وحكامه استهدفوا التجارة والسياسة وانفتح أكثر من أي شيء آخر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015