بنسبتها إلى المؤلفين العرب. كما فرقت الفلسفة الإسلامية القسس من الرهبانية الواحدة بين مؤيد ومناهض. فصنف رايموندو مارتيي كتاب خنجر الإيمان، معتمدة على الغزالى، للرد على القديس توما الأكويني. واعتنق تورميدا، الراهب الفرنسيسكاني، الإسلام في تونس، وتسمى بعبد الله بن على، وصنف كتب جدل في انتقاد النصرانية، مستندة إلى ابن حزم، أشهرها: تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب. وخلع غيره مسوح الرهبان إلى الحياة العلمانية كبالحريف. وكان آخرهم رونكاليا الفرنسيسكاني، ولاتور اليسوعي.
ولو استهدف الرهبان الجدل والتبشير فحسب، لاكتفوا بتعليم العربية، وأهملوا ما عداها من اللغات التي قل أو انقرض المتكلمون بها كاليونانية القديمة والعبرية والسريانية والكلدانية، وما كلفوا أنفسهم إنشاء بواكير: مكاتب الترجمة والمعاهد والمكتبات والمطابع والمجلات لحفظ ترانها ونشر ذخائره والتصنيف فيه وترجمته إلى لغات العالم. حتى إذا استقروا في شمالي أفريقيا منذ القرن الثالث عشر، وفي الشرق الأوسط في مطلع القرن السابع عشر أنشأوا، في عواصمه أولى المؤسسات على غرارها في الغرب (?) وأعادوا إلينا تراثنا الذي أخذوه عنا من الأندلس والبرتغال وصقلية وغيرها، الإرساء نهضتهم الأوربية، فأرسينا عليها نهضتنا الحديثة، ثم لحقت بهم الإرساليات البروتستانتية، والبعثات العلمانية وزاحمهم في نشاطهم دون أن يفلح أي منها في منع نصراني من إشهار إسلامه، أو فتن مسلم عن دينه، وقلما تعرضوا له، كما تدل عليه آثاره التي بين أيدينا، إلا بالإجلال: فكان المبشر كاتون ديل أول وأدق من نقل القرآن الكريم إلى اللغة السواحلية، واتخذ الدكتور ليندون هاريس كبير المبشرين في القارة الأفريقية قول صموئيل جونسون قاعدة لتبشيره: إن المسيحية والإسلام في عالم العقيدة هما الديانتان الجديرتان بالعناية، وكل ما عداهما فهو باطل. ولو نقورن أثر المرسلين الديني، على أي مذهب كانوا، بأثرهم العلمي فيا حفظوه من تراثنا وحققوه وترجموه وصنفوا فيه وعلموه: "ومن هنا وجدت اللغة العربية موئلا لها في المدارس الأجنبية والمدارس المسيحية الطائفية فانتشر تعليم الأدب العربي بين المسيحيين أكثر من انتشاره بين المسلمين" (?)، ثم فيما علمونا إياه من علوم