"أن أوربا نظرت إلى هذه الحضارة -الحضارة الإسلامية- نظرة إكبار وتهافتت عليها، ولكن الرهبان أخذوا بدافع تعصي يحاربونها ... فبدأ جماعة من الرهبان يدرسون الثقافة الإسلامية، رائدهم في ذلك تتبع العورات وتلمس السيئات، بالإضافة إلى أن هذه الدراسة تدفع بهم إلى الرق في مجال الرهبنة ... وتعاونت الكنيسة مع ملوك أوربا على شد أزر المستشرقين والتمكين لهم في مهمتهم ونصفها الأول سياسي ونصفها الثاني تبشيري تعصبي" (?).
وبالرجوع إلى المترجمين ومكاتب الترجمة في طليطلة وبلنسية وصقلية والمؤلفين فيها نجد أن الاستشراق لم يستهدف في نشأته خدمة الكنيسة: فرجال الدين أتباع الفاتيكان (لئلا يختلطوا بالأرثوذكس والبروتستانت ومن زاحمهم من إرساليات علمانية فيما بعد - هم الذين نظروا إلى الحضارة الإسلامية - لا أوربا ولم يكن فيها متعلم سواهم - نظرة إكبار وتهافتوا عليها لإرساء النهضة الأوربية على أساس التراث الإنساني الذي تمثلته الثقافة العربية. وقد تعاونوا مع علماء المسلمين واليهود على نقل آمهات كتب: الرياضيات والفلك والطب والطبيعة والميكانيكا والكيميا والفلسفة والمنطق والأدب إلخ. وأولي ترجمات القرآن الكريم بمعاونة اثنين من العرب. أما تعلمهم العربية وتعليمها فلتخريخ أهل جدل، وتدريب أدلاء للحجيج إلى الأراضي المقدسة، وتحقيق الكتاب المقدس (?)، وقد امتلاء العصر الوسيط بالأفكار الدينية، ثم وقفوا نشاطهم على التوراة بعد انفصال لوثر عن الكنيسة ورجع الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس إلى الشرق مهد الديانة المسيحية فتناولوه في جغرافيته وتاريخه ولغاته للكشف عن أسرار الكتاب المقدس.
فالنظر إلى الرهبان من زاوية واحدة قصية تبعدنا عن الصواب وتغمطهم حقهم: فادلرد أوف باث آثر المسلمين على النصارى، وبيكون سجن بإحداثه بدعة، وأرنولد الفيلانوف رمى بالسحر والإلحاد، وميخائيل سكوت أذاع اسم ابن رشد وفلسفته في أوربا فنالته منه ريبة، وتستر آخرون عن تواليفهم من تزمت العامة