"وكانوا يدعون إلى مؤتمراتهم بعض الشخصيات البارزة في الدراسات الإسلامية ليتحدثوا في بعض المسائل ... وكانت تنطلى هذه الخدعة على الكثيرين. وكانوا يراعون في دورياتهم جمال الإخراج وجودة الطباعة لتجذب الأنظار إليها وتسترعي الانتباه ... وعن طريق هذه الأبحاث تغلغل المستشرقون في مجال التعليم الجامعي وصار منهم أساتذة نستقدمهم وننفق عليهم الأموال الطائلة، كما تمكنوا من اقتحام المجامع العلمية اللغوية وصرنا نعتمد عليهم في دراساتنا اللغوية" (?).
ومن أنصفهم في الكثير مما اتهموا به ليتهمهم بغيره فيبدأ.
"بتسجيل ما للمستشرقين من فضل على تراثنا لا يجحده إلا جاهل أو مكابر. إننا ندين لهم بجمع ذلك التراث وصونه من الضياع ... وتسألون: وماذا لو تركوا تراثنا لنا. أما كنا أهلا لجمعه وصونه؟ فأجيبكم بملء يقيني: كلا ... كنا في غفلة عنه لا نكاد نحس وجوده أو نعرف قيمته أو نقدر حاجتنا إليه ... خدام دور العبادة يبيعون نفائسه بالكوم لتجار الحلوى والبقول ... ولم يقف جهدهم (المستشرقون) في الجمع على مجرد الاقتناء، بل فهرسوا ما جمعوا من تراثنا فهرسة علمية دقيقة .... ومن ثم انتقلوا إلى نشر ذلكم التراث نشرة يعتمد على أدق منهج للتوثيق والتحقيق ... وصحونا من نومنا، فإذا ألوف الذخائر العربية بين أيدينا، محررة موثقة، نلوذ بها في دراساتنا العالية، وتعد الرجوع إليها في أبحاثنا المتخصصة مدعاة للفخر والمباهاة ... وبلغوا في دراساتهم للشرق والعربية والإسلام حدة مذهلا من العمق والتخصص ... فهل قصدوا بهذه العملية الضخمة المنظمة خدمة العرب والشرق والإسلام؟ ... لقد استهدف الاستشراق في نشأته الأولى خدمة الكنيسة والاستعمار ... وما نشهد بين الفينة والفينة من التواء أساليهم في توجيه العبارات، واضطراب مناهجهم في سوق الأخبار، واعتسافهم في تأويلها بغية استخلاص نتائج خطرة سامة تمس ديننا وتاريخنا ... فما يجوز لنا بعد اليوم أن نتخلى عن تراث غال - نحن أهله وأصحابه- لسوانا من الأجانب الغرباء الذين كثيرا ما تعوزهم النزاهة والإخلاص بقدر ما يعوزهم ذوق العربية وإدراك أسرارها في التعبير والأداء " (?).