إن علماء المسلمين - أين كانوا - ليس لهم أي حق في تبديل شرائع الله، سواء أكان ذلك بالمحو أو بالزيادة، أو بالنقصان، ومن فعل ذلك فقد اعتدى وأقحم نفسه فيما ليس من خصائصه، وما خصائصه إلا الفهم الصائب لروح الشريعة والشرح والتوضيح، والدعوة لها والدفاع عنها الخ، وقد سمعنا من بعض البسطاء من قال: لماذا يتصلب العلماء هذا التصلب؟ ولماذا لا يكونون كعلماء اليهود والنصارى الذين خففوا عن أتباعهم ثقل الشرائع، فيسروا - مثلا - أمر الصيام وجعلوه شيئا قليلا؟ ولماذا نصوم نحن المسلمين شهرا كاملا، في حين لا يصوم غيرنا أصلا، أو لا يصومون إلا سويعات قليلات؟؟ نقول لهؤلاء الطائشين إن الدين الإسلامي دين إلهي أنزله وأمر به رب العباد وخالقهم، بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فليس لأحد - كيفما كان - بعد موت الرسول أن يبدل أو يغير شرع الله - وليس ذلك إلا للرسول والرسول قد مات فلا تغتروا بما فعله علماء اليهود والنصارى بشرائعهم، فإنهم مأمورون بالمحافظة على شريعتهم والدفاع عنها، فتركوا ذلك، وسيلقون جزاء عملهم وسكوتهم يوم الحساب، فإنهم ضيعوا ما استحفظوا عليه من كتاب الله وشرعه وكانوا عليه شهداء، ولم يقف علماء بني إسرائيل مواقف أنبيائهم في الدعوة إلى الدين والدفاع عنه، وبنو إسرائيل اشتهروا بنقض الشرائع الإلهية وتركها والصدود عنها إلى ما تزينه لهم نفوسهم وشهواتهم وقد قص الله علينا في القرآن الكثير من أخبارهم للاعتبار، منها أن بني إسرائيل لما أنجاهم الله من قبضة عدوهم فرعون الظالم، وأخرجهم من البحر سالمين وأهلك عدوهم بالغرق وهم إليه ينظرون، نسوا نعمة الله هذه عليهم بالنجاة من عدوهم، فرأوا مشركين يعبدون الأصنام، فطلبوا من رسولهم موسى - عليه السلام - أن يجعل لهم إلها يعبدونه كما لهؤلاء المشركين آلهة يعبدونها - بدل عبادتهم لله وحده - فنهاهم رسولهم موسى عليه السلام، وبين لهم أنهم هم خير وأفضل من غيرهم عباد الأوثان والأصنام، قال الله تعالى مبينا ذلك: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015