الجريئة في قضائه على الفساد والمفسدين، بقدر ما سجل التاريخ على (مزدك) وجماعته صفحة سوداء مدنسة بما لا يصدر إلا من الأشرار، والأوباش، والأنذال واللقطاء.
وهكذا يجب أن يكون المسؤول الكبير، الذي بيده تصريف الأمور،
حزم، وشجاعة، وطهر، وإخلاص، وقوة، حتى يبعد الشرور والأخطار عن الأمة والوطن، سواء أكان هذا المسؤول ملكا، أو رئيسا، أو أميرا، أو وزيرا، فإن لم يفعل مثل ما فعل (كسرى) أنوشروان فقد أعان بسكوته أو ضعفه - أمام المفسدين - على ازدياد وامتداد الشرور والمفاسد، وكيف يكون حال الأمة إذا كان واحد من الكبار المذكورين آنفا شريكا أو نصيرا للأشرار والمفسدين ... ؟؟
فليتق الله - الذي لا تخفى عليه خافية - بعض المسؤولين من عقبى المآل، ولقد أحسن الشاعر في قوله:
وما من يد إلا يد الله فوقها ... ولا ظالم إلا سيبلى بأظلم
فإذا اندلعت النار في دار أو غيرها فإخمادها لا يكون بالوسائل الهينة، كالنفث بالشفاه أو غيره من الوسائل الضعيفة، بل لا بد لإطفائها - بسرعة - من الوسائل القوية الفعالة، كالمياه الغزيرة والعقاقير المطفئة للهب، فإذا وجدت النار عند شبوبها واشتعالها الحزم والحرص والقوة انطفأت واستراح الناس من ويلاتها، وإلا ازدادت وامتدت واتسعت رقعتها مع هبوب الرياح عليها، حتى تصل إلى الأماكن الأخرى البعيدة عن محل شبوبها واندلاعها.
والخبائث والشرور كالنار تماما، فإذا كانت الهيئة الحاكمة في البلاد طاهرة تحب الطهر، شريفة تحافظ على الشرف، فإنها لا تطمئن على حياة الأمة المسؤولة عنها إلا بالقضاء على أصل الخبائث ومادتها التي تمدها بوسائل الحياة والقوة والبقاء، إذ هي منبع الشر والفساد.
وبالعكس من هذا فإذا ضعفت عن القضاء عليها، أو أهملتها وسكتت عنها فإن آثامها تزداد، وتتسع مساحتها، ويصعب بعد هذا القضاء عليها كالمرض إذا لم يعالج في أول ظهوره فإن خطره يزداد، ولربما يقضي على المريض في النهاية.