من اتفاق في البعض، وتشابه في البعض الآخر، وتباين في غيرهما - وطول أيضا - فعلت ذلك ليزداد الموضوع توضيحا ومعرفة، وكل المؤرخين متفقون على ما أحدثه (مزدك) في المجتمع الفارسي من الشر والفساد والظلم بذلك المذهب الإباحي الفوضوي، ويكفي للحكم على مذهبه، هذه النتائج التي لا يحمد صاحبها، ولا يشرف بها، بل لا يذكر إلا بالخزي والعار، متبوعا باللعنات.
ومثل تلك الآثار السيئة التي أوجدها المذهب المزدكي في المجتمع الفارسي مثل الإباحية، والغصب، والظلم الخ مثلها ما أحدثته الاشتراكية والشيوعية في البلدان التي ابتليت بهما، فقد كثر فيها الظلم والفواحش بجميع أنواعهما، وخنق الحريات في الدعوة إلى الخير ومحاربة الشر، وإعطاء الحرية التامة لكل من يعمل الشر أو يعين عليه، وكثر الأولاد اللقطاء نتيجة لاختلاط الرجال بالنساء بدعوى التقدمية، والتحرر، والانعتاق الخ حتى وصلت النتائج إلى ما قاله كسرى أنوشروان: (حتى اختلط أجناس اللؤماء بعناصر الكرماء، واتصلت السفلة إلى النساء الكرائم التي ما كان أولئك يتجاسرون على أن يملؤوا أعينهم منهن إذا رأوهن في الطريق الخ) وخرجت المرأة إلى الشوارع - بما زينوه لها - لملاقاة من تحب ومحادثة من تريد، أو للعمل في الإدارات وفي غيرها، وفي هذا يكمن الشر والفساد - فساد المجتمع - حتى صار بنات ونساء بعض الأغنياء، وبعض من ينسبون للعلم والدين عاملات في المتاجر والإدارات، وهن في غير حاجة إلى العمل بما أعطاه الله لآبائهن وأزواجهن، ولكنه حب الكسب للمال وغيره، وصارت البنت أو المرأة التي لا تعمل في الإدارة كأنها غير حية، فذهب الشرف، والمروءة والعفاف، والحياء، والأمر لله من قبل ومن بعد.
نرجع إلى ما جاء في العنوان فنقول: إن الجدير - حقيقة - بالملاحظة والاهتمام هو موقف الملك كسرى أنوشروان بن الملك قباذ، ذلكم المصلح العظيم الذي أنقذ البلاد والشرف الإنساني، والكرامة الآدمية - بموقفه الحازم ويقظته الفريدة - من ذلكم الخطر العظيم الذي نزل بالأمة الفارسية، فقضى على المزدكية الخبيثة التي ضعف عنها أبوه قباذ بن فيروز، فوقف هو تجاهها موقفه الحازم الذي يدل على شجاعة قوية، وروح نقية، وهمة أبية، فقد خلد له التاريخ ذكرا جميلا، لا يمحى أبد الآبدين بمواقفه