إن هذا الملك العظيم (كسرى أنوشروان) قد أظهر من حسن التدبير والعدل في سياسة الملك ما جعله محبوبا عند أمته - زيادة عما فعله بالمزدكية المفسدة - وصار يضرب بعدله الأمثال - وإن كان مشركا - وفي هذه القصة التي أقصها هنا ما يؤيد ذلك:
جاء في كتاب "مروج الذهب" للمسعودي عند الكلام على ملك أنوشروان الملك العادل قوله: (وانصرف أنوشروان إلى العراق، ووفدت عليه رسل الملوك وهداياها والوفود من الممالك، وكان فيمن وفد إليه رسول لملك الروم قيصر بهدايا وألطاف، فنظر الرسول إلى إيوانه (?) وحسن بنيانه، واعوجاج في ميدانه، فقال: كان يحتاج هذا الصحن أن يكون مربعا، فقيل له: إن عجوزا لها منزل من جانب الاعوجاج منه، وإن الملك أرادها على بيعه وأرغبها فأبت، فلم يكرهها الملك وبقي الاعوجاج من ذلك على ما ترى، فقال الرومي: هذا الاعوجاج الآن أحسن من الاستواء ...) (?).
فرسول قيصر ملك الروم أعجبه عدل الملك، وفضله على استواء الميدان لو أخذ الملك دار العجوز منها بالغصب والقوة - وهو قادر على ذلك - ولكنه العدل. والعدل وحده هو الذي وقف بينه وبين الظلم. سقت هذه القصة لنرى من خلالها عدل الملوك في الأزمنة الغابرة.
12 - ما قاله الملك المؤيد في المزدكية، وكيف لقيت جزاءها:
وفيما ذكره الملك المؤيد أبو الفداء زيادة بيان لأعمال هذه الفرقة الخاسرة، فقد ذكر في تاريخه المسمى: "المختصر في أخبار البشر" عند كلامه على ملوك الفرس ما يلي: (وفي أيام قباذ المذكور ظهر مزدك الزنديق، وادعى النبوة، وأمر الناس بالتساوي في الأموال، وأن يشتركوا في النساء لأنهم إخوة لأب وأم - آدم حواء - ودخل قباذ في دينه، فهلك الناس وعظم ذلك عليهم، أجمعوا على خلع قباذ، وخلعوه). ثم زاد أبو الفداء الموضوع بسطة على ما تقدم ذكره فقال: (ثم ملك بعد قباذ ابنه أنوشروان