ففي هذا الكلام تفصيل لأعمال فرقة المجرمين (المزدكية) ولما لاقته من جزاء عادل - لأنها سمت نفسها العدلية - على إجرامها، استأصلها وقطع دابرها واقتلع عروق شجرتها الخبيثة، هذه الفرقة التي ابتليت بها أمة الفرس ذات التاريخ القديم والحضارة الأصيلة، وذلك في الربع الأخير من القرن الخامس من ميلاد المسيح عليه السلام، كما مرت الإشارة إليه سابقا، ومن الغريب المضحك أنها نسبت نفسها للعدل وهي الظالمة، فالأسماء لا تغطي الأفعال، إذا كانت الأفعال تخالف الأسماء، فالإعتداء على الناس في أموالهم وأعراضهم لا يسمى عدلا.
11 - ما قاله ابن نبالة المصري في هذه الفرقة الشريرة:
وذكر ابن نباتة المصري في شرحه المسمى "سرح العيون شرح رسالة ابن زيدون" عند الكلام على كسرى، وعند قول ابن زيدون: (وكسرى حمل غاشيتك) قال: (إن هذا الاسم لقب لملك الفرس، والمراد هنا كسرى أنوشروان، فإنه أشهر ملوك الفرس، وأحسنهم سيرة وأخبارا، وهو كسرى أنوشروان بن قباذ بن فيروز، وفي أيامه ولد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (ولدت في زمن الملك العادل) (?) يعني كسرى، وكان ملكا جليلا محببا للرعايا تام التدبير، فتح الأمصار العظيمة في الشرق، وأطاعه الملوك، وتزوج ابنة خاقان ملك الترك، وقتل مزدك وأصحابه، وذلك أن أباه قباذ قد بايع رجلا زنديقا يسمى مزدك، أحدث مقالات في إباحة الفروج والأموال، وقال: إنما الناس فيها سواء، وكان لا يسفك الدم.
ولا يأكل اللحم، وأنه دخل يوما على قباذ وعنده زوجته أم كسرى أنوشروان، وكانت من أحسن النساء، وعليها حلي عظيم، فأعجبته، فقال لقباذ: إني أريد أن أنكحها، لأن في صلبي نبيا يكون منها، فأطاعه قباذ - لقوله بمقالته - فلما هم مزدك بها - وكان كسرى صغيرا - قبل قدميه وتضرع له في أن لا يفعل، فوهبها له. فأول ما ولي كسرى بعد موت أبيه قتل مزدك وأصحابه، فعظم في أعين الفرس (?).