الأكبر - أصابه الخرف - فلم يعد يصلح لأي شيء وما بقي إلا أن يحجر عليه، فلم تبق فيه صلاحية للتصرف في شؤونه الخاصة، فضلا عن شؤون شعب كامل مسلم، إن بقي في مكانه فهو سائر به إلى الكفر والنفاق، كما سار به إلى الإفلاس الخلقي وما في كلمة الإفلاس من معان، إذ هو قابض على الشعب التونسي بيد من حديد بواسطة من باعوا ضمائرهم وعقولهم لرجل، هذه آثار تصرفاته، فلا يترك الواحد منهم يناقشه في أبسط الأمور، فضلا عن عظائمها، فدل بهذا على جهله بسيرة أفضل الخلق أخلاقا، وفيه نزل القرآن تزكية لأخلاقه الحميدة في قوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وهنا يظهر الفرق بين من يزكيه الخالق العالم بالسرائر وبين من يزكيه الشيطان.
فهو قد فهم من إكثار المسلمين من الصلاة عليه امتثالا لأمر مولاهم أنهم ألهوه وجعلوه إلها يعبدونه - والإله هو المعبود - فمن أين جاءه هذا الفهم الجديد؟ وما الصلاة عليه إلا من باب التعظيم والاحترام والأدب لرسول أحبه الله واختاره للرسالة العامة الدائمة إلى قيام الساعة، وأيضا فإن الخالق قد صلى عليه تعظيما لقدره العالي عنده، وأمر ملائكته بالصلاة عليه، كما أمر أمته المسلمة بالصلاة عليه، وذلك هو قوله تعالى في سورة الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} الآية 56 منها. فصلاة الله تعالى ثناء عليه عند الملائكة ليعظموه، وصلاة الملائكة دعاء له، وقيل غير هذا. وهل صلاة الله وملائكته على عباده المؤمنين عبادة لهم؟ وذلك في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} الآية 43 من سورة الأحزاب هذا لا يقوله عاقل، فصلاة الله على عباده المؤمنين ذكره لهم، فالواجب عليهم أن يذكروه ولا ينسوه، كما في قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} فذكر العبد لله عبادة، ودليل على أن العبد قلبه معلق بربه، وذكر الله لعباده تكريم لهم وتذكير حتى لا ينسوه، كما قال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} الآية 19 من سورة الحشر. فهل قال محمد صلى الله عليه وسلم لأمته اعبدوني؟ بل قال لأتباعه: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد قولوا عبد الله ورسوله)) أخرجه البخاري عن عمر،