فالرجل جاهل بالسيرة النبوية، وتلك الكلمات التي قالها تلقفها من بعض الأفواه المتزلفة عنده، أما سفر الرسول قبل الرسالة فقليل.
إن القرآن كلام الله - لا كلام محمد ولا كلام غيره - الله أنزله عليه، والله تولى حفظه وصونه من التحريف والتزييف والزيادة والنقصان، وهذا قول الله فيه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الآية 9 من سورة الحجر، وقوله أيضا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ * مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} من سورة فصلت، فهذه الآيات الثلاث جاءت بعد قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} الآية 40.
إن الكتب السماوية السابقة النزول على القرآن، قد أوكل الله حفظها إلى علماء الأمة في ذلك الزمان، كالتوراة والإنجيل، فلم يحفظوها من التحريف والزيادة والنقصان، ولهذا عاتبهم ربهم بقوله: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} الآية 44 من سورة المائدة، فالله جعل التوراة والإنجيل عندهم وديعة وطلب منم حفظهما والعمل بهما، فضيعوهما وحرفوهما، أما القرآن فقد تولى الله جل جلاله حفظه من التحريف والتزييف، ومن كل تغيير.
وكم حاول أعداء القرآن وخصوم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبدلوا منه حرفا واحدا فلم يفلحوا، وباءت جميع محاولاتهم بالفشل والخيبة، مثل ذلك اليهودي الذي عرض عليه الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد الإسلام لما رأى فيه من الاستعداد للإيمان فتمسك بدينه وأبى وامتنع أولا، ثم أسلم بعد الامتحان.
روى البيهقي بسنده إلى يحيى بن أكثم قال: دخل يهودي على المأمون - في يوم يجتمع فيه للنظر - والمأمون إذ ذاك أمير - فتكلم فأحسن الكلام والعبارة، فدعاه المأمون إلى الإسلام فأبى، ثم بعد سنة جاء مسلما فتكلم في الفقه فأحسن الكلام، فسأله المأمون ما سبب إسلامه؟ فقال: انصرفت من عندك فامتحنت هذه الأديان، فعمدت إلى التوراة، فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها "البيعة" - معبد اليهود والنصارى -