كتاب "قضاة قرطبة وعلماء افريقية"، كما ذكرها القاضي عياض في كتابه "المدارك" - وأذكرها هنا للموعظة والاعتبار - وقد وقعت هذه الواقعة في أيام حكم الأمير (عبد الرحمن بن الحكم) الأموي في قرطبة، وفي ولاية القاضي (محمد بن زياد اللخمي) وملخصها: أنه كان ابن أخي "عجب" حظية الأمير - الحكم - والد عبد الرحمن - المذكور - نطق بكلمة متعبثا بها في يوم غيث خفيف، فقال: (بَدَأَ الْخَرَّازُ يَرُشُّ جُلُودَهُ) فبلغ هذا القول إلى الأمير (عبد الرحمن) فأمر بحبسه، فطلبت عمة هذا العابث "عجب" من الأمير إطلاقه من سجنه، لأنها كانت "حظية" أبيه الحكم، وبهذا كانت مدلة عليه، لمكانها من أبيه، فقال لها: (نكشف أهل العلم عما يجب في لفظه، ثم يكون الفصل في أمره) فأمر - الأمير - محمد بن السليم الحاجب أن يحضر القاضي (محمد بن زياد اللخمي) وفقهاء البلد، فجمعهم في مجلس النشمة، وحضر من الفقهاء عبد الملك ابن حبيب، وأصبغ بن خليل، وعبد الأعلى بن وهب، وأبو زيد بن إبراهيم، وأبان بن عيسى بن دينار، فشاورهم الحاجب في أمره، وأخبرهم بما كان من لفظه، فتوقف عن الإشارة بسفك دمه: القاضي محمد بن زياد، وأبو زيد، وعبد الأعلى، وأبان، وأشار بقتله: عبد الملك بن حبيب، وأصبغ بن خليل، فأمرهم الحاجب محمد بن السليم أن ينصوا فتياهم على وجهها في صك ليرفعها إلى الأمير، ففعلوا، فلما تصفح الأمير قولهم استحسن قول عبد الملك بن حبيب، وأصبغ بن خليل ورأى ما رأيا من قتله، وأمر حسان الفتى فخرج إليهم، فقال لمحمد بن السليم: قد فهم الأمير ما أفتى به القوم في أمر هذا الفاسق، وهو يقول للقاضي: اذهب فقد عزلناك، ثم بين الأمير عيوب الفقهاء الآخرين، ثم قال حسان الفتى - فتى الأمير - لصاحب المدينة: الأمير يأمرك أن تخرج الساعة مع هذين الشيخين: عبد الملك بن حبيب، وأصبغ بن خليل، فتأمر لهما بأربعين غلاما - من الغلمان - ينفذون لهما في هذا الفاسق ما رأياه. فخرج عبد الملك وهو يقول: (سب رب عبدناه إن لم ننتصر له إنا لعبيد سوء) ثم أخرج المحبوس فوقفا حتى رفع في خشبه، وهو يقول لعبد الملك: (أبا مروان اتق الله في دمي فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) وعبد الملك يقول له: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} حتى صلب وانصرفا اهـ. من كتاب "قضاة قرطبة" ص 90 - 91، و"تاريخ قضاة الأندلس"