يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} - الآية 11 من سورة الرعد - فهي كتلك صريحة في أن مصدر كل شيء يقع فهو من الله، إنما المسببات لا تأتي إلا بعد حصول الأسباب، فهل يحصد الناس الزرع - مثلا - بدون حرث وبذر وسقي؟
فتلك أسباب لحصاد الزرع، والواقع لا ينكره إلا معاند، فللإنسان سعي في تغيير حاله من ضيق إلى سعة، ومن عسر إلى يسر، وبالعكس، والكل مراد لله تعالى، كما قال: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله} معناه ما تشاؤونه أنتم فهو ما شاءه الله وأراده، ولو لم يشأه لم يقع أبدا، وكم من واحد أراد شيئا وتعاطى له الأسباب القوية لإدراكه، وسعى له سعيا حثيثا ظن أنه يوصله إلى ما شاءه وأراده، ومع ذلك لم ينجح في مسعاه ولم ينل مراده وخاب، لماذا يا ترى؟ ذلك لأن الله تعالى لم يشأ وجوده، ولو شاءه لكان، فأين التناقض ها هنا بين معاني هاتين الآيتين؟ إنما عدم الفهم والغرور هو الذي يدفع بالمرء إلى أن يخرج عن حدود المعقول، فهو كما قال المتنبي:
وكم من عائب قولا صحيحا … وآفته من الفهم السقيم
ولكن تأخذ الآذان منه … على قدر القرائح والعلوم
وكما قال المعري:
والنجم تستصغر الأبصار صورته … والذنب للطرف لا للنجم في الصغر
إن الاستخفاف والاستهزاء بالقرآن العظيم إلى هذا الحد لا يصدر ممن له ذوق سليم وعقل صحيح.
ذكر المفسر الكبير القرطبي في مقدمة تفسيره عند الكلام على تعظيم القرآن واحترامه - حديثا في ذلك قال: روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((القرآن أفضل من كل شيء، فمن وقر القرآن فقد وقر الله ومن استخف بالقرآن قد استخف بحق الله تعالى الخ ...) اهـ. منها ص 26.
وأذكر هنا أحد أحكام أو فتاوى العلماء الموفقين - الكثيرة - على من لم يوقر الله واستخف بحرمته وحقه على عباده، فقد حكموا على هذا المستخف بالردة والقتل، والقصة التي أذكرها هنا تبين ذلك، ذكرها الخشني صاحب