يقضى على المرء في أيام محنته … حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
أما قوله: (تلك الجامعة التي تكون أناسا من القرون الوسطى) فهو اتهام لها بأنها لا تخرج إلا الجامدين أمثال رجال القرون الوسطى، فلهذا لا يسايرون رجال العصر الحاضر الحديث، عصر الإلحاد والكفر والزندقة والفجور الخ، كل هذه النعوت التي تقال - اليوم - في رجال الدين هي شنشنة عرفناها من قبل، يتهم بها ربائب الاستعمار الذين رضعوا لبن أمهم فرنسا ولغتها الأعجمية - رجال الدين - وتخلقوا بأخلاقها الفاجرة الإلحادية، فهذا الاتهام قديم، وهذه النعوت الاستعمارية متأصلة في الكثيرين من المدرسيين ضد الزيتونيين، نعرف هذا من قبل ولا نجهله، هذه النعوت كانت تثيرها وتغذيها فرنسا - لمصلحتها - حتى لا يتحد الزيتونيون والمدرسيون ضدها.
والتاريخ شاهد عدل، والواقع لا ينكره عاقل منصف وهو: أن الجامعة الزيتونية كونت رجالا أبطالا كانوا في الطليعة، لهم مواقفهم المشرفة في العلم، والدين، والسياسة، والزعامة أيضا، وكل زعماء السياسة في القديم تغذوا من الزيتونة المباركة، كما أن خريجي الجامعة الزيتونية كانوا - دائما - في طليعة الأحداث السياسية والمظاهرات التي كان يقوم بها رجال السياسة للمطالبة بالحقوق الوطنية، كانت أكثريتها العظمى من التلامذة الزيتونيين، نظرا للروح الوطنية التي يتحلى بها الزيتونيون، نتيجة ما يتلقونه من التعليم، فيكونون في الصفوف الأولى منها، فمظاهرة المرسى - مثلا - في عام 1922 عندما تنازل المرحوم (الناصر باي) عن كرسي العرش التونسي غضبا على فرنسا التي لم تف بوعودها، تلك المظاهرة معروفة غير خافية عن الوطنيين التونسيين الصادقين لا المحترفين، فقد ذهب المتظاهرون وفيهم الكثيرون من أساتذة الزيتونة وطلابها من تونس إلى المرسى - مقر سكنى الباي - مشيا على الأقدام، والمسافة بينهما في حدود العشرين ميلا، ومن ورائهم خيول جيش الاستعمار الفرنسي تدوسهم بسنابكها والجنود فوق متونها، ذهبوا إلى (الباي) ليطلبوا منه الرجوع عن تنازله.
وكذلك المظاهرات المتعددة التي نظمت بمناسبة تنصيب وإقامة تمثال الداعية المسيحي الكاردينال "لافيجري" في أول مدخل المدينة العربية وفي النهج