المسلمين إلى بيوت الله الطاهرة مباحا للمشركين والمجنبين وغيرهم ممن لا يجوز لهم دخول المساجد لما قلناه سابقا، وقد زرت تونس في صيف 1966 فأحزنني ما رأيته في جامع الزيتونة من فراغ وهجر وغشيان السواح الأجانب له، فكأن الجامع صار متحفا من المتاحف بعد أن كان تلقى فيه الدروس الدينية من علماء زينوا تونس للقاصدين، وأشاعوا لها ذكرا حسنا في الأولين، وفي جميع البلدان، وكان حيثما تنقل الزائر بين عرصاته إلا ووجد أمامها شيخا جليلا يحيط به تلاميذه يسمعون إليه بانتباه ما يلقيه عليهم من الدروس، وما بقي للإسلام ذكر في الشمال الإفريقي - بعد استيلاء فرنسا عليه - إلا بفضل تلكم المساجد والمعاهد الدينية.

فالرئيس بورقيبة يفتخر بأنه أغلق الجامعة الزيتونية وأبطل عملها، ويزيد فيقول على عمله هذا - الذي عده إصلاحا -: (لم تقس أبعاده كما ينبغي)، ولعله كان ينتظر من أمثاله الشكر على فعله هذا والتنويه بشجاعته - النادرة - على ما أقدم عليه، أو لعله كان ينتظر من الملك الحسن الثاني ملك المغرب أن يقتدي به فيبادر إلى إغلاق جامعة القرويين بفاس وإلى جمال عبد الناصر فيصنع صنيعه ويسارع إلى إغلاق الجامعة الأزهرية بمصر، فلم يفعلا مثل فعله لأنهما أعقل من أن يرتكبا جريمة حرمان المسلمين من نور مصباحين كانا يضيئان الطريق للمسلمين قرونا طويلة. فيطغى عليهما الغرور والخرق فيفعلا فعله الشنيع. لأنه قصدهما بقوله: ويوجد نفس الوضع في المغرب وفي مصر. ترى ماذا كان يقول لو أقدمت دولة الحماية - فرنسا - في عهدها على إغلاقها يوم كانت تحكم تونس، هل يشكرها على صنيعها ويعتبره إصلاحا يقيس هو أبعاده كما ينبغي؟ أنا أعتقد - جازما - أن فرنسا لو فعلت ذلك - وهي أعقل من أن تفعله - لملأ بورقيبة الدنيا صراخا وعويلا واحتجاجا على عملها ذلك، ولعده جرما لا يغتفر - والحق إلى جانبه في ذلك - من فرنسا عدوة الله والدين، ولو فعلت فرنسا ذلك لعده أيضا انتهاكا لحرمة الدين، وخرقا لتعهداتها باحترام شعائر الإسلام وشعور المسلمين والمقدسات الإسلامية، أنا لا أحب فرنسا ولا أدافع عنها، لكنه الواقع الذي لا ينكره إلا الأغبياء، وما قلت هذا إلا للمقارنة بين عهد الحماية، وبين عهد الحرية والاستقلال، إذن فما باله فعل ذلك؟ حقا لقد صدق القائل في قوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015