التاريخ المشرق، في المغرب والمشرق - الذي عده إصلاحا، فكل العقلاء يرون فيه عملا بعيدا عن الإصلاح، بل هو هدم وتخريب لركن عظيم من أركان الدين الإسلامي في الشمال الإفريقي.
ذلك أن هذه الجامعة قد أمدت بعض بلدان الشمال الإفريقي، وخاصة تونس في الدرجة الأولى، والجزائر في الدرجة الثانية، وكذلك ليبيا، أمدتها بعلماء أفذاذ جهابذة كبار نالوا شهرة عالمية لا تنكر في الدين واللغة العربية والأدب، كالإمام ابن عرفة صاحب الحدود الفقهية وغيره ممن لا يتسع المقام لسرد أسمائهم، وكان فضلها علينا - معشر الجزائريين - عظيما، فالكثير من علماء الجزائر في القرن العشرين تخرجوا منها مباشرة أو بواسطة من تخرج منها، فكيف يعد إغلاقها وتعطيلها إصلاحا؟ وكيف ساغ له - لو كان فيه بقية من حياء - أن يقارن بين بيت من بيوت الله أعد لعبادة الله وحده تقام فيه الصلوات وتدرس فيه علوم الدين الإسلامي من فقه وتوحيد وتفسير لكلام الله وغير ذلك، يقارن بينها وبين - ديركليني - أين يعبد الصليب ويعصى الله فيه، فهل من يقول هذا له عقل الإنسان؟ ثم كيف يتهم الجامعة الزيتونية بأنها تخرج وتكون أناسا من القرون الوسطى؟ إنما بغض الإسلام، وكراهية الدين هما كل الأسباب في هذا وفي غيره، وعلى الفرض والتقدير أن البعض من علمائها حاد عن السبيل السوي، فما هو جرمها هي في والواقع الذي سجله التاريخ المنصف أن رجالها هم الذين علموا الكثيرين ممن يوجهون إليها الآن معاول الهدم والتخريب والنقد السمج البارد، وهم الذين كان تعلمهم في المدارس الاستعمارية، فهم نسخة من المستعمر الحقود على الإسلام والقرآن بالخصوص.
فبورقيبة أبطل التعليم الديني وغيره في الجامعة الزيتونية وصيرها كالمتحف يغشاها السواح الأجانب بكثرة، لأنهم يأتون معهم بالعملة الصعبة، فهو قد باعها بالعملة الصعبة.
كل من عرف تونس في عهدها القديم - قبل الاستقلال - رأى إلى جانب كل باب من أبواب مساجدها "لافتة" كتبت باللغات الفرنسية، الإنجليزية وغيرهما عليها هذه العبارة: (ممنوع الدخول إلى المسجد على غير المسلمين) أما في العهد الجديد فقد نزعت منها تلك اللافتات، وصار دخول غير