أوكار المفسدين، حتى كان لدفاعهم عن الدين الأثر البالغ في إصلاح الأوضاع المتعفنة من أجل حب الرئاسة الخطير، ومثل العلماء في تحمل المسؤولية، المسؤولون في حكومات الشعوب الإسلامية، إن لم يكونوا هم الذين جلبوا - الشرور والمفاسد - أو تساهلوا في دخولها أو في إدخالها، فانتشرت بسكوتهم عنها.

فلا غرابة في حوادث هذه الحياة وأحداثها، فقديما كانت محنة العلماء الصادقين شديدة وقاسية عليهم - لوقوفهم في وجوه طغاة زمانهم - ذلك لأنهم لم يلينوا لهم ولم يتساهلوا في القيام بواجبهم، فكانت المحن تنزل عليهم من كل جانب وهم صابرون، كما أخبر بذلك أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم: ((أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه)) (?) وقد ظهر ذلك في كبار الأئمة - رحمهم الله - خاصة، فقد امتحن إمام دار الهجرة مالك بن أنس والأئمة أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وابن تيمية، وسلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام، وغيرهم كثير رضي الله عنهم، لقيامهم في وجوه حكام زمانهم الطغاة، فلم يستكينوا لهم، ولم يوافقوهم على أعمالهم المخالفة للدين، وأنكروا عليهم ما يفعلون في جرأة وصراحة، كما يوجب ذلك عليهم دينهم، مما هو داخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو واجب على من تعين عليه، وبدون هذا لا يستقيم حال الأمة - حاكمها ومحكومها - غير أن حكام المسلمين - اليوم - لا تتسع صدورهم وعقولهم لتلقي النصائح الدينية المفيدة والتوجيه النزيه، والنقد المفيد - أو البناء - ولا يرضون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويحسبون أنفسهم أنهم فوق كل أحد، فما رأوه واختاروه فهو الحق الذي يجب أن يجد الآذان صاغية، والقلوب واعية، وما سواه فهو الباطل المتروك، ولا يراجعون في شيء ارتضوه، وهذا خطأ من بعض الحكام، متمكن في نفوسهم، واستعلاء وتجبر على عباد الله، كما هو مخالف للتربية الإسلامية، فذلكم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب - وكفى به مثالا - رضي الله عنه كان يقبل النقد والتوجيه، ويعترف بخطئه أحيانا وإصابة غيره،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015