دورا هاما في هذه القضية غير أنه صادف في أبي ذر بغيته، وخاب سعيه مع أبي الدرداء وعبادة بن الصامت.

وقال المرحوم أحمد أمين بعد أن نقل كلام الطبري المذكور: (ونلمح وجه شبه بين رأي أبي ذر الغفاري، وبين رأي (مزدك) في الأموال فقط) (?) وزاد أحمد أمين قائلا: (فترى من هذا أن رأيه - يعني أبا ذر - قريب جدا من رأي مزدك في الأموال، ولكن من أين أتاه هذا الرأي؟ ثم ذكر كلام الطبري المتقدم) (?).

وأضاف أحمد أمين إلى ما سلف هذا البيان فقال: (ونحن نعلم أن ابن السوداء هذا لقب لقب به عبد الله بن سبأ، وكان يهوديا من صنعاء أظهر الإسلام في عهد عثمان، وأنه حاول أن يفسد على المسلمين دينهم، وبث في البلاد عقائد كثيرة ضارة قد نعرض لها فيما بعد) (?) وزاد على ما تقدم فقال: (فمن المحتمل القريب أن يكون - يقصد ابن السوداء - قد تلقى هذه الفكرة من مزدكية العراق أو اليمن، واعتنقها أبو ذر حسن النية في اعتقاده، وصبغها بصبغة الزهد التي كانت تجنح إليها نفسه، فقد كان - يريد أبا ذر - من أتقى الناس وأورعهم وأزهدهم في الدنيا، وكان من الشخصيات المحبوبة التي أثرت في الصوفية). ومما تقدم ندرك يقظة بعض الصحابة وحذرهم، فلم ينخدعوا بقول اليهودي - ابن سبأ - كأبي الدرداء وعبادة بن الصامت ومال إلى قوله أبو ذر الغفاري رضي الله عنهم كلهم، لأن قول اليهودي وافق مذهبه في الزهد في الدنيا، وترك زينتها، فقد ظهر من هذه الأقوال والآراء سر هذه الدعوة ومغزاها التي دعا إليها الصحابي الزاهد أبو ذر الغفاري عن حسن نية، كما ظهر من ذلك أيضا منشؤها ومصدرها، وهم اليهود الذين لم يفتأوا يحاربون الإسلام بشتى أنواع الحروب والأسلحة، من أول ظهوره إلى الآن، حتى ولو ألزمهم ذلك الدخول فيه ظاهرا.

ويزيدنا يقينا فيما قلناه تلك الدعاية المسمومة بسم اليهود، وهي قول اليهودي لأبي ذر: (لماذا يقول معاوية: المال مال الله؟) وما قال هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015