والآثار، فبكا وشكا، وخاطب الربع واستوقف الرفيق، ليجعل ذلك سببًا لذكر أهلها الظاعنين عنها، ثم وصل ذلك بالنسيب فشكا شدة الوجد وألم الفراق وفرط الصبابة والشوق؛ ليميل نحوه القلوب ويصرف إليه الوجوه، وليستدعي به إصغاء الأسماع إليه؛ لأن النسيب قريب من النفوس لائط بالقلوب، فإذا علم أنه قد استوثق من الإصغاء إليه، والاستماع له، عقَّب بإيجاب الحقوق فرحل في شعره، وشكا النصب والسهر وسري الليل وحر الهجير، وإنضاء الراحلة والبعير، فإذا علم أنه قد أوجب على صاحبه حق الرجاء، ودمامة التأميل، وقرر عنده ما ناله من المكاره في السير، بدأ في المديح، فبعثه على المكافأة، وهزه للسماح، وفضله على الأشباه، وصغر في قدرة الجزيل"1.
وأما خصائص القالب الشعري: فهي أن يلتزم الشاعر في الوزن البحور التي سار عليها الشعراء القدامى، والتي حصرها الخليل بن أحمد في البحور والأوزان التي اشتهرت عند العرب، فتقوم القصيدة على بحر واحد من المطلع حتى الخاتمة، ويلتزم الشاعر أيضًا مع البحر قافية واحدة متحدة الرويّ لا يعدل عنها في بيت واحد.
أما من خرج عن البحر الواحد كشعر التفعيلة والشعر الحر فهو متمرد على عمود الشعر العربي في قالبه الموسيقي، وأما من عددت قوافيه في القصيدة الواحدة كالشعر المرسل، ونظام المقطعات فهو أيضًا متمرد على عمود الشعر العربي في القالب الموسيقي؛ لأنه خرج عن وحدة القافية في القصيدة ذات البحر الواحد.
هذه هي أصول عمود الشعر العربي وخصائصه الفنية بإيجاز اصطلح عليها النقد العربي القديم، وقد وضحته بالتفضيل في كتاب مستقل2؛ لأن الحاجة هنا تقتضي الإيجاز بقدر المطلوب.
دعائم التجديد وخصائصه الفنية:
ومدرسة المجددين المحافظين تسير في مذهبها الأدبي الجديد على نحو من المزاوجة بين الحفاظ على عمود الشعر العربي السابق وبين التجديد بما يتناسب مع العصر والبيئة والثقافة والتقدم العلمي والفكري وغيرها من مقتضيات العصر وظروفه وأحداثه، ولذلك نرى شعراء هذه المدرسة مع محافظتهم يغترفون من الثقافة الحديثة أكثر من غيرهم، ويتجاوبون مع التيارات الفكرية والعلمية والأدبية المعاصرة، وكذلك المشكلات الاجتماعية والعسكرية، والمجالات السياسية والإعلامية وغيرها.