فالقيم المنهجية التي سرت عليها كانت -بالدرجة الأولى- نابعة من واقع الشعر في المنطقة حسب تطوره التاريخي فيها، ثم تستنتج النتائج، وهذا هو الأساس الأول والأصل في منهج البحث والوصول إلى الغاية منه، أمَّا علاقة الشعر بالتيارات المعاصرة، والمذاهب الأدبية العامة في الشرق وفي الغرب كانت تابعة للأساس الأول، ورافدًا واحدًا من روافده.
والحكم على المدرسة في مذهبها الأدبي بالتقليد أو المحافظة أو التجديد أو الابداع يصدر أيضًا نابعًا من الاستقراء للشعر المنشور والمشهور، ومن خلال التصنيف بين شعراء الجنوب وحدهم، فالتفاوت بينهم يتم حسب المذهب الأدبي في مدرسته، لا بين غيرهم من شعراء المملكة، وقد يتفق شعراء المملكة جميعًا في المذاهب الأدبية المتباينة، وحينئذ يكون من الممكن أن ينتسب كل شاعر إلى مدرسته الأدبية تبعًا لاختلاف مذاهبهم، وتطبيقها على الشعر الحديث عامَّة، وهذا مجال لبحث مستقل آخر.
ومن المجازفة أن يكون البحث شاملًا للمذاهب الأدبية في شعر المملكة؛ لأسباب من أهمها: إنها ستكون دراسة غير دقيقة، لا تعتمد على جزئية واحدة في مجال البحث العلمي، وأنها أيضًا ستواجه العقبات الصعبة في الاستقراء أو الاستقصاء لهذا الشمول، على العكس من الجزئية في هذا البحث، وأن الدراسة أيضًا تستلزم تحديد أبعاد الجزئية، لتتخذ طريق العمق والبناء السابق، وإلا كانت الدراسة مسحًا سريعًا كالعدو وشمولًا خاطفًا كسرعة البرق.
ومن الممكن بعد الوصول إلى الغاية من البحث أن يصح تطبيقها على نظائرها من المذاهب الأدبية في بعض المناطق الأخرى للمملكة بنفس التخصص والاستقراء؛ لأن معظم الروافد التي تغذي الشعر فيها واحدة غالبًا، إلا روافد خاضعة لبيئة المنطقة وخصائصها الطبيعية والبشرية، ولو لم تكن البيئة والطبيعة فاصلًا ومميزًا، لما تميز شعر الجنوب بسحر الطبيعة وروعة البيئة، كما تميَّز شعراء الحرمين بالشعر الإسلامي والوجداني بخصائص تتميز به كل من المنطقتين فيما بينهما، كما تتميز كل منهما عن المناطق الأخري.
وجمع مادة الشعر هنا ليس سهلًا، لا من شعراء المنطقة الذين ذهبوا مع الخالدين، فلم تكن لهم دواوين منشورة، وإن كانت- وهذا نادر- فتكاد أن تختفي عن الأنظار كالكنز الدفين، فمن الصعب الحصول عليه، ولا من كبار الأحياء من الشعراء المشهورين لعقبات لا تقل عن العقبات السابقة منها أن الديوان يطبعه الشاعر لحسابه، أو يقوم النادي الأدبي بطبعه، وفي كلتا الحالتين يكون التوزيع محدودًا، يعتمد على الهدايا الشخصية غالبًا، ولم يبق أمامي إلّا وسائل الاتصال المختلفة والشاقة، وعلى سبيل المثال: ديوان "القلائد" للسنوسي أبرز شعراء الجنوب، نشر منذ أكثر من عشرين سنة، فلم نجد منه إلَّا نسخة واحدة خاصَّة بالشاعر نفسه، ضرب عليها الحصار، حتى يعيد الطبع للمرة الثانية، وتكرّرت مثل هذه المحاولات في جميع مادة البحث.