وهذا الاتجاه في الأدب عامَّة، يختلف في منهجه وغايته عن الاتجاه في هذا البحث، فقد اختص بالشعر لا بالأدب عامَّة، ولا في تاريخ الشعر بالمملكة، بل في العصر الحديث، ولا بالشعر الحديث في المملكة كلها، بل في شعر منطقة متميزة من مناطقها المتنوعة، التي تختلف باختلاف الطبيعة وواقع البيئة، وليس في شعر الجنوب "منطقة الجنوب" في جميع ما يتصل به لأدنى ملابسة، بل في جزئية واحدة فقط من اتجاهات الشعر الكثيرة وروافده المتعددة، بل في المذاهب الأدبية الحديثة في شعر الجنوب، ومدارسها التي تنتمي إليها، وهذا هو موضوع البحث.
ولم يكن هذا الاتجاه عن طريق الصدفة، بل كانت من ورائه دوافع قوية متعددة الجوانب، من أهمها الاتجاه "الأكاديمي" للبحوث في كلية التربية، فرع جامعة الملك سعود في أبها، والتي أعمل فيها عضوًا من هيئة التدريس ... وهو البحث في البيئة التي تحملت أعباءها المؤسسات العلمية والجامعية ومراكز بحوثها، على النمط الذي تقوم عليه الأقسام العلمية في حقول التجارب العملية لدراسة البيئة في عسير من خلال مركز البحوث للكلية. ومن هذا المنطلق "الأكاديمي" تحدد اتجاه البحث.
وعندما تكاملت فكرة البحث تقدم به "مركز البحوث" مع بحوث أخرى للاشتراك العلمي في الاحتفال بمرور خمس وعشرين سنة على "جامعة الملك سعود"، ورسالتها العلمية "اليوبيل الفضي" في عام 1402هـ-1982م"1
ثم نمت عناصر البحث وتكاملت، ونضجت معالمه، وتحددت أبعاده، فتدفقت روافده بين صفحات هذا الكتاب، ليعبر عن التجربة الواقعية التي عشتها في "منطقة الجنوب" للمملكة العربية السعودية.
ومن وراء هذا كله كان الشعر في الجنوب يحث على الدراسة، والاستمتاع به. .. وهو شعر بكر، نبع من منطقة متميزة بروعة بيئتها، وسحر الطبيعة فيها، والتنوع في مجالها، فهي بحق كما وصفتها المملكة. بأنها من أهم المصايف لدول الخليج العربي.
ومن هنا كان مجال البحث محدودًا؛ لأنه في منطقة واحدة متميزة، وفي شعرها البكر الذي لم يتعرض للبحث حتى الآن، وفي جانب واحد من الشعر لا في شتى الجوانب، التي تتعلق به في المنطقة.
وينبغي منذ البداية أن يكون المنهج واضحًا للقارئ الكريم، فالمنهج يحدد الاتجاه والغاية التي تنتهي بالنتائج، فيميز المذاهب الأدبية، ويحدد اتجاهها وقيمها، ليحكم بالتقليد أو التجديد أو الإبداع.