صور جزئية بديعة رائعة، جاد بها خيال الشاعر، وهو يحلق في حزنه وآهاته وأناته، فالهجران يوقد لهيبًا في أحشائه، وهو في صدود مستمر يردد الأنات، وتدفعه الأحزان المريرة إلى الشكوى والتساؤل، وتنتابه بتاريخ الجوى، وحرارة الدموع في الآصال وفي الأسحار، فهو صريع لا يدري من صرعه، هل الغرام؟ أم الهم؟ كما لا يدري هل الدموع المنهمرة هي التي تطفئ نار الشوق، أم ترديد الآهات والأنات، ويظل كذلك يساهر الليل مكتئبًا، ويرعى النجوم مسامرًا، لعلها تشغله عما يعانيه من سهد، وما يتجرعه من مرارة الصبابة.

ومن هذه الصور الرائعة ما جاء في قصيدة "عذابان":

أنت أغلى في فؤادي من دعاء مستجاب

أنت يا ملهمتي أحلى من الشهد المذاب

أدركيني فأنا أضنى وفاء لا انتحاب

وبلا أجنحة حلقت لكن لا أهاب

فالهوى ينساب من نبعك أحلى انسياب

اتركيه كي يروي ظمئي من ذي الشراب

وحنين داخل أضحى وصبري في احتراب

لست أدري أي هذين قد استولى الركاب

فبقي في القلب يحيا في ذهاب وإياب

أهو الصبر أم الشوق وفي كل عذاب

تبت من ذنبي ولكن منك مالي متاب1

والخيال الرائع يظهر في قوله: "هي أغلى من الدعاء المستجاب"، وهي "أحلى من الشهد المذاب"، وهو "يتعذب وفاء لا انتحاب"، ويحلق بخياله بلا أجنحة، والهوى كالماء ينساب أحلى انسياب، والحنين والصبر في احتراب، والقلب يحيا في ذهاب وإياب، وهو لا يدري أين العذاب في الصبر أم في الاشتياق؟ والتوبة لا من الذنب ولكن منها المتاب.

صور بديعة تنساب في التأثير على العاطفة والقلب كانسياب الماء إلى الظمآنن ويهتز لها الوجدان، كما تمايل الأغصان لنسيم الصباح، وكذلك من الصور اللطيفة العذبة، والخيال الخفيف المحلق قوله في قصيدة "السر العجيب":

طور بواسطة نورين ميديا © 2015