قلت في نفسي ولم أضمن صوابًا في المقالة

ذاب محب مدنف.. يا قرَّب الله وصاله

والمحبون دوامًا هم همو مثل الذبالة

في احتراق وعناء ... وسهاد ونكاله

إن يكن ذا الكون كأسًا ... فهمو منه العلالة

أو يكن ذا الكون علمًا ... فهم حرف الأمالة1

فالصور هنا عذبة خفيفة كخفة الوزن والإيقاع، لكن بعض العبارات غير الشاعرية كان ينبغي على الشاعر أن يتجنبها في التصوير الشعري، مثل القلق والاضطراب غير المألوف في قوله: "يا قرب الله" حيث أدخل ياء النداء على الفعل، وليس هذا مألوفًا في استعمال العرب.

وكذلك النظم العلمي الجاف الذي لا يتناسب مع تصوير الشعر في البيت الأخير، حيث صوّر خيبة الأمل عند الحبيب بالإيقاع الصوتي الماثل في حروف الإمالة، وهذا تصوير علمي جاف لا روح فيه ولا حياة.

وكذلك الأساليب العامية التي ينبغي للشاعر أن يترفع عنها في تصويره مثل قوله: "تنحنحت" في قوله:

وتنحنحت أين ملكك يا قيصر ... فارتاع في هدوء السرير2

ومنها ما جاء الغموض فيه تبعًا لتركيب العبارة تركيبًا غريبًا مما دعاه أن يوضح ذلك في آخر القصيدة مثل قوله: "حبالي عشي"، وقوله "سكرى عمي" حين يقول:

برغم الليالي حبالى عشى ... برغم الصبيحا سكرى عمى

قال الشاعر: في التعقيب على البيت: عشى: العشى ضعف النظر واستخدام حبالى مضافة إليها هنا مبالغة في إثبات الواقع القاصر في زمن المرحوم سيد قطب.

وكذلك تفسيره: سكرى عمى: مبالغة في التقرير: أي لا ترى شيئًا.

ولولا الغموض الشديد لما لجأ الشاعر إلى توضيح ذلك عقب القصيدة، والشعر الشاعر هو الذي يتسلل أثره إلى نفس القارئ بلا معين، أو تعقيب، ولو بطول نظر، أو روية تأمل؛ لأن ما وصل إلى القلب بعد التأمل تمكن منه، وليس الأمر كذلك بعد البحث في معاجم اللغة، فالبون شاسع بينهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015