وما أعطيتني إلّا وعودًا ... تزيد أسى الفؤاد خلا تمني

سوى أني أدين وسوف أبقى ... أدين بأن حسنك أصل فني

وبي شوق إليك يزيد دومًا ... كأشواق العقيم إلى التبني

فأنت عروس شعري حين أشدو ... وأنغام الصبابة إذ أغني

فاض وجدان الشاعر بالحب والوداد، لكنه لم ير من محبوبه إلّا الوعود الجوفاء، بلا وصل، فيغتلي الفؤاد أسى ومرارة، ومع هذا فالشاعر يجد فيها عوضًا عن الفقدان والحرمان، فهي التي فجَّرت شاعريته بهذه الرسالة، فتشكَّلت في عمل فني بعد أن كانت بددًا وحيرة في نفسه ووجدانه، فصارت عروس شعره وأنغام وجده، وأوتار حبه، يجد فيها أمله حين يغني بشعره، وإن كانت محبوبته بذاتها وهيكلها بعيدة.. بعيدة عنه.. كل البعد.

هذا هو جوهر التحرر في التجديد عند الشاعر، فحينما تتفجر شاعريته في تصوير ما يحب، لا يبتغي منه أكثر من أن تظهر ذاتية الشاعر في فنه الأدبي، والتغني بذاته ووجدانه وحدهما؛ لأنه لا يرى ولا يملك غيرهما.

والذات البشرية إذا تمددت في داخلها ستجد اليأس والقنوط، والمرارة والألم والحرمان، وغيرها من أصول الهروب عن الحياة والناس، أما إذا تجاوبت مع غيرها، وخرجت من أسارها وسجنها الداخلي، إلى العطاء الاجتماعي، تغرب عنها الوحدة والأسى، وتنحسر المرارة والحرمان، وهكذا يستمر بهكلي في آلامه وحزنه حتى يزمن الحزن "حينما يزمن الحزن" يقول:

لا تقولي قضي الحزن وحل السعد ... إذا لاح على الأفق لقانا

لا تقولي تمت الفرحة لا.. لا ... تحسبي حقًّا أباطيل رؤانا

خدعة هذي فلا يخدعك ماصير ... دنيانا خداعًا وامتهانًا

حاذري من طيبة الظن فما عادت ... لتلقي في مجالينا مكانًا

مزمن حزني باق سهد عيني ... وفي حبيك ضيعت الأمانا

رغم لقياك فلا زلت حنينًا ... يفرش النأي على فكرى خوانا

يا انتفاض الألق المزهو في عينين ... ترفضان سحرًا وحنانًا

والتوالي من مآسينا أقضت ... مضجع السالف من حلو منانا

وانسلال اللحظات اللائي عشنا ... سعدها قد بات يستل شجانا

تارة يسفحنا ... يغري الحشا منا ... وطورًا ينشر الدمع جمانا

وانثيال الذكريات الممرع الربع ... اهتزازًا يحتوي منا الكيانا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015