إيه يا بيداء دنيانا قطعناك ... ولم نسرج -على البعد- حصانًا

لم تكن غير ثوابه ركض الدهر ... بنا فيها ... فلم ندرك خطانا1

ومظاهر التحرر في التجديد هنا ظاهرة، على الرغم من أنَّ الشاعر التقى هنا بمحبوبته، فكان ينبغي أن يترك هذا اللقاء في نفسه ما يطفئ نار الجوي، ويروي ظمأ الحب، ويروح نسائم الشوق، فلا يبقي في النفس لوعة وأسى، ولا يترك في الوجدان لهيبًا عاصفًا، فيطوي آلام الماضي، ويبدد سهد الليالي، وتشرق الحياة الباسمة، ويتعطَّر الوجود بالأمل العذب، وينسج منه حبال الوصل، وأسباب الأماني، التي تغيب به في جنات المحبين الوارفة الظلال، فتتفتح فيها الأزهار، وتفوح أجواؤها بالعطور، وتتجاوب مع الأنغام الشجية، التي تعزفها مناقير الطيور، لترفرف بالسعادة والحب والأمل في جنات الخلد.

لكن الشاعر بدد جمال هذا اللقاء بحزنه المرير، وآلامه المريرة، فهو ينكر عليها أن الحزن قد ولَّى وذهب، ولا يرى أن السعد قد لفهما بالأفق، وأصبحت هي كذلك باطلًا وخداعًا، فذهبت الحقيقة، وتبدد الأمن، وعلى الرغم من اللقاء فلا زالت بعيدة عنه، يكتوي بآلام البعد والحرمان، التي ثوت في صدره، واستبدت بعقله وقلبه، وألهبت مضجعه، وفجرت الدموع كحبات الفضة مما يدل على أنَّ شعر الوجدان حتى مع الوصل، فالشاعر يظل في حرمانه وشكواه وبث أشجانه وآلامه، وهذا ما يمتاز به هذا الغرض الأدبي.

يقول بهكلي في قصيدة "خلود الحب":

أتبقى أماني لقانا نثارًا ... وليل التباعد يتلو النهارا

كأن مقاديرنا أن نرى ... مآسينا تحتوينا جهارًا

ولكن لماذا الهروب ولما ... ننل بعد شيئا يزيل الأوارا

أليس الهروب انهزامًا وفينا ... إطاقة جعل البقاء انتصارا

أما قلت أنك شوق عظيم ... إلى فلا تقدرين اصطبارا

أما قلت إني حياتك؟ يا من ... نبذت حياتك عنك جهارا

لماذا؟ وأرفع صوتي لماذا؟ ... ولو عاد رجع صداه انكسارا

وإنك حلمي رواءً ويبسا ... وإني أحبك ماء ونارا1

طور بواسطة نورين ميديا © 2015