وهكذا يمضي الشاعر يصور تجربته الشعورية القوية في عاطفة صادقة وخيال خصب، وصور أدبية رائعة، وعبارات عذبة رقية، وأسلوب جزل حلو، يكشف عن معانيه بلا غموض أو إبهام، فتأخذ موقعها من العقل حين تستقبلها الأذن مباشرة؛ لأن الشاعر يعبر بصدق عن وجدانه في وضوح وشاعرية ملهمة.
لم يسلم الشاعر من هفوات لا تغض من شاعريته، ويكفينا شعره الوجداني في الدلالة على ذلك، وهذه الهفوات قد وضحنا بعضها في مجال الأغراض، وهي بإيجاز:
روح التعبير النثري في بعض الأغراض الأدبية عنده مثل المدح والشعر الإسلامي، والرثاء، فنرى الشاعر يتحدث فيها مع عامة الناس بلغتهم الدارجة الواضحة الدانية؛ لأن الشعر له لغته القوية المتدفقة بالمشاعر، ويعتمد على الإيحاء والأضواء والتصوير القوي، مما يثير الوجدان في الآخرين، ويلهب مشاعرهم، ويحفز عواطفهم لإثارة الانجذاب، وذلك في مثل قوله:
أمل العرب يا إمام البلاد ... داعي الخير والهدى والرشاد
حامي الدين والشريعة حقًّا ... ناصر الحق في الربا والبوادي
ناشر العدل والمساواة فينا ... قائد الشعب يا ابن خير التلاد
يا مليكي فدتك نفسي وروحي ... أنت نور العيون في كل نادي
كل فرد من شعبك المتفاني ... يتمنى لقياك كالمعتاد1
وهكذا يسير في القصيدة كلها على هذا الأسلوب النثري الدارج بين المتخاطبين في مثل هذه المواقف مع شرف المضمون وعمق المعنى وجميل المقصد والغاية التي ترمي إليها القصيدة من الإشادة بوطنه الحبيب، والقيادة المخلصة الرشيدة التي حققت المجد والحضارة له.
ثانيًا: البديع والضرورات
لم يخل شعر الألمعي من قصد البديع، واتخاذه وسيلة في التصوير الأدبي، وإن كان عصره قد ولَّى، ومدرسته قد ذهبت مع التاريخ، لكن الشاعر قد يميل إليه حينًا، وهو ما أشار إليه الدكتور زاهر عواض في مقدمة الديوان يقول:
"وبعد: فهذا "عبير من عسير"، وكفى.... فليس من الإنصاف أن أقدم ديوانًا من الشعر هو يقدم نفسه لقارئه، فقديمًا قالت العرب: الكتاب يعرف من عنوانه، والظاهر عنوان