وأقول: تفسيره صدر البيت حسن وعجزه غير حسن! لأن الذي يقسم الشيء بين اثنين ويجوز، لابد أن يُعطي أحدهما شيئا ما ويجعل قسم الآخر أوفر من قسم صاحبه. وأما أن لا يعطي شيئا البتة ويعطي الآخر الجميع فهذا لا يسمى قسما بل إيثارا، وقد ذكره في صدر البيت. على أن البيت من أصله فيه شيء؛ وذلك إنه لا يجوز مع هذا الحبيب إلا وقد أعطاه أكثر مما يستحقه من الحسن! فهل يحسن بأحد ويسوغ له أن يصف حبيبه بذلك؟!
وقوله: الطويل
مُشِبُّ الذي يَبْكِي الشبابَ مَشِيُهُ ... فكيفَ تَوَقِّيهِ وبَانيهِ هَادِمُهْ
قال: يقول: الذي يجزع على فَقد الشباب إنما أشابه من اشبّه، والشيب حصل من عند من حصل منه الشباب فلا سبيل له إلى التوقي من الشيب لأن أموره بيد غيره.
فيقال له: هذا التفسير على ما تقول، ولكن: أي مناسبة بين هذا البيت والذي قبله؟ فقد كان يحسن ذكرها وهي: إنه لمّا ذكر في البيت الذي قبله عادته من معاناة الشدائد، وألفه للمهالك ذكر الشيب وحاله لأنه من جملة الشدائد، وعرّض بأن الإنسان لا يحسن به أن يجزع من مصيره إليه، وقدومه عليه إذ لا يمكنه أن يتوقى منه.