ثم قال: في العقد وهو مضيّق والعقد يكون منه مضيّق وغير مضيّق فبالغ بذكر المضيّق

ثم قال: من الشعرة والعقد يكون في الشَّعرة وفي غيرها من خيط وحبل فبالغ بذكر الشعرة

ثم قال: السوداء والليل مسود فبالغ بذكر السوداء في الليل لخفائها. ولم يقنع بذلك حتى وصف الليل بالاسوداد، ومثل هذا قول الأعشى: الكامل

كنتَ المُقَدَّمَ غير لاَبِسِ جُنَّةٍ ... بالسَّيفِ تَضْرِبُ مُعْلِماً أبْطَالَهَا

وذلك إنه قال: كنت المقدم فبالغ لأن من الفرسان من يكون متقدما وغير متقدم.

ثم قال: غير لابس جنة فبالغ في الإقدام لأن من الشجعان من يكون لابس جنة.

ثم قال: بالسيف فبالغ لان منهم من يطعن بالرمح، وهو دون الضرب بالسيف.

ثم قال: معلما فبالغ لأنه لا يُعلم إلا كل مشهور بالبأس.

ثم قال: أبطالها فبالغ لأنه خص بذلك الأبطال دون غيرهم لشدة إقدامه.

وكنت اجتمعت ببعض متأدبي حلب وقد جرى ذكر المبالغة في الوصف والإغراق

فذكرت له بيت أبي الطيب هذا ومبالغته في صفة الرمي فقال لي: قد جاء مثل هذا المعنى للشيخ أبي العلاء في قصيدته الطائية وأنشد: الطويل

ونَبَّالةٍ من بُحْتُرٍ لو تَعَمَّدوُا ... بِلَيْلٍ أنَاسِيَّ النواظرِ لم يُخْطُوا

فقلت: هذا من هذا إلا إنه قصّر عنه وذلك إنه قال: أناسي النواظر فأطلق، فدخل في ذلك ناظر الأسد والهر وهما يريان في الليل، كالنارين، اظهر من النهار فيمكن رميهما، ونقص مع ذلك من درج المبالغة. فاعترف بذلك بعد مدة وشدة!.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015