فيقال له: ولم يرد عليهم النوم، وهم أعداء، وهو أضر الأسلاب لهم، التي سلبها منهم؟ فهذه العبارة لا تؤدي هذا المعنى، وإنما يقول: استقصيت في أذى الأعداء، والاستقصاء بغي، والبغي مذموم، وهم ضعفاء عنك، والضعيف ينبغي أن تكف عنه. وما بعد هذا البيت من صفتهم يدل على ذلك، فسأله الكف عنهم والبقيا عليهم والأمن لهم برد سلب النوم، وهو كناية عن الخوف، ولأن رد السلب وتركه مما توصف العرب به، كفعل النبي صلى الله عليه وسلم في يوم حنين وفعل علي - عليه السلام - حين قتل عمرو بن عبد ود في قوله: الكامل
وعَفَفْتُ عن أثوابهِ وَلَوَ أنني ... كنتُ المُقَطَّرَ بَزَّني أثْوابي
وقوله: المنسرح
تُشْرِقُ أعْراضُهُمْ وأوْجُهُمْ ... كأنها في نُفُوسِهم شِيَمُ
قال: يصفهم بنقاء الأعراض والوجوه والشيم.
وأقول: إن هذا البيت فيه إحكام وإتقان للصناعة. وذلك إنما يشبه الشيء بالشيء الذي هو أظهر منه، المشهور المسلّم له، كقولنا: فلان كأنه البحر، أو كأنه الأسد؛ لأنهما معروفان بالجود والبأس مسلّم لهما ذلك، فشبه أبو الطيب بعض خلال الممدوح ببعض حتى كان المشبه به ظاهر للناس، معروف لهم مسلّم.