إنما كان أولا، فكان صاحبه يرى منه الصبر والابتسام، ولا يرى ما في حشاه من الهوى والغرام، ثم إنه بعد ذلك بدا وظهر. فالبيت الثالث وهو قوله: الكامل
أمَرَ الفؤادُ لسَانَهُ وجفُونَهُ ... فكتَمْنَهُ وكَفَى بِجِسْمِكَ مُخْبِرا
ينبغي ان يكون متعلقا بالبيت الأول مؤكدا لما فيه من ظهور الهوى، ولا يكون للثاني لأنه يناقضه بما يناقضه بما في الثاني من الإخفاء بالصبر والابتسام، ولما في الثالث من الإبداء بالنحول والسقام.
وقوله: الكامل
يَتَكَسَّبُ القَصَبُ الضَّعِيفُ بخَطِّهِ ... شَرَفاً على صُمِّ الرِّماح ومَفْخَرا
قال: يقول: قلمه اشرف من الرماح؛ لأن كفه تباشره عند الخط فيحصل له الشرف والفخر على الرماح التي لم يباشرها.
وأقول: أن بعض مفسري الديوان حمل هذا القول على أن ابن العميد كاتب وليس من أهل الحرب، فالأقلام التي يحملها، مع كونها ضعيفة، تشرف الرماح التي يحملها غيره، مع كونها قوية، فلذلك أطلق القول على صم الرماح، وذلك منه غير سديد، لأنه قد وصفه قبل هذا البيت بشدة الإقدام في الحرب، وكثرة الطعن للأبطال، وذلك لابد أن يكون بالرماح. فالذي ذكره الواحدي تخصيص للرماح،
وهو الصواب؛ فجعل بعض الأقلام، وهي التي مسها، تفتخر على بعض الرماح، وهي التي لم يمسها، وإنه أتى بلفظ العموم وهو يريد الخصوص. وبهذا التفسير يسلم قول أبي الطيب من التناقض.