وقوله: الطويل

ووعدُكَ فِعْلٌ قبل وَعْدٍ لأنه ... نَظِيرُ فَعَالِ الصَّادق القَوْلِ وَعْدُهُ

كان كافور وعد أبا الطيب وحلف له ليبلغنه جميع ما في نفسه، لمّا أنشده القصيدة المهموزة يهنئه بالدار، وكان في نفس أبي الطيب الولاية، والارتفاع عن درجة الشعر لكثرة فضله، وعزة نفسه وانفه لمّا أسن وكبر عن قيامه قيام المنشد المستعطي تارة والمستعطف أخرى، وكان لا يطمع بذلك من سيف الدولة ولا يخرجه عن كونه شاعرا. فهذا من بعض أسباب فراقه له، ولم يفارقه من قلة عطاء، لأن اقطاعه له كان كثيرا؛ فهذا مقطعا قرية اسمها بصف، مغلها، كما ذكر، عشرة آلاف دينار، وهذا سوى الإطلاق والخلع التي كانت تصير إليه في كل عام، فحمله البطر والكبر والأنفة من الشعر، على أن فارقه وأوقع في نفسه إنه يصير إلى كافور، وهو أسود خصي، يتلهى به ويخدعه ليوليه بعض الولايات فيتقوى بها فربما غلبه على ما في يده، أو أقام على طاعته فزاد ماله، وارتفع شانه، وعلت منزلته، ورأى سيف الدولة إنه قد زاد عما كان عليه عنده، وارتفع عما كان يسومه منه. فاقتضى كافورا بهذا البيت والأبيات التي بعده، وسامه أن يجربه ببعض أعماله، ويختبره ببعض أشغاله، ليعلم موقعه من حسن التدبير وجودة السياسة، فانعكس عليه قياسه، وانتفض رأيه مما لقي من هوان كافور له بقيامه بين يديه، وتوكيله عليه، وقلة اهتمامه به وكثرة غفلته عنه، أضعاف إكرام سيف الدولة له، وقربه منه! وهذه الأبيات، بل القصيدة من جيد الشعر وحر الكلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015