قال: أني أبغض طيف الحبيب لأن رؤيتي الطيف عنوان الهجر إذ لا أراه إلا في حال فراق الحبيب. وكان من حقه أن يقول: إذ كان يواصلني زمان الهجران؛ لأن هجران الطيف زمان الوصال لا يوجب بغضا له، إذ حاجة به إلى الطيف زمان الوصال، ولكنه قلب الكلام على معنى أن هجراته زمان الوصال يوجب وصاله زمان الهجران.
فيقال له: لم يقلب الكلام، ولكنك أنت انقلب فهمك! إذ توهمت أن الضمير في يهجرنا راجع إلى الطيف، والضمير في وصاله راجع إلى الحبيب وهو بالعكس! والتقدير: أبغض طبع الحبيب، إذ كان يهجرنا الحبيب زمان وصال الطيف، ولو واصلنا الحبيب لهجرنا الطيف؛ لأن الطيف لا يكون إلا عند هجره وبعده.
وقوله: الكامل
مثلَ الصبَّابةِ والكآبةِ والأسَى ... فَارَقْتُهُ فَحَدَثْنَ من تَرْحَالِهِ
قال: يقول: يهجرنا الطيف زمان الوصال مثل هجر هذه الأشياء، وأبغضه مثل بغض هذه الأشياء التي حدثت من ترحال الحبيب.
وأقول: تفسيره هذا البيت مرتب على البيت الذي قبله لمّا فسره مقلوبا! وهل يسوغ لذي فهم أن يقول: ابغض الطيف والصبابة والكآبة والأسى إذ كانت هذه الأشياء تهجر المحب زمان وصال الحبيب؟! وهل شيء أحب إلى المحب من هجر هذه الأشياء له