الحمد لله الذي جعل الدنيا على الحقيقة معبر اعتبار، يغتفر ملاح سفينتها إلى جذفٍ واصطبار، ولم يرضها لأوليائه فبنى لهم غير هذه الدار، وبالغ في ذمها ويكفي ما فيها من الأكدار، غير أنه زينها وطفل الهوى ذو اغترار، زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث فللشهوات حيلة غيار، من النساء وللنساء حبائل الشيطان المكار، تخرب إحداهن الدين بعد أن تخرب الدار، فالعربي يقول من معاشرتهن ويلي والأعجمي يصيح زنهار والبنين وكم صغر قاسى الأب لأجل الصغار، فلما ترقوا فعقوا والعقوق من الذنوب الكبار، والقناطير المقنطرة وما اجتمعت إلا بأوزار، والخيل المسومة يجول بها في حلبة العجب المغوار، بينا تجري براكبها عثرت به أي عثار، والأنعام وهي معجبة للمالك والنظار، بينا هي في صعود الزيادة إذا صاحبها إلى القبر في انحدار، والحرث مخضراً ومصفراً مختلف الألوان والأزهار، تبدلت أوراقه عن الورق غربان البين فقامت تندب الآثار (ذَلِكَ مَتاعُ الحَياةِ الدُّنِيا) وهل المتاع إلا عارية تعار، أسمعتم عيوب العاجلة أيشتري زنابير التمر مشتار، (أؤُنَبِّئكُم بِخَيرٍ مِن ذَلكُم لِلَّذينَ اِتَّقَوا عِندَ ربِّهم جَناتُ تَجرِي مِن تَحتِها الأنهارُ) .
الخطبة الأولى الحمد لله الذي ساق سحاب الشهوة برعد هواء مرجوز، فجرت قطرات النطف إلى أحصن الحروز، فتقلبت في أعجب الحالات إلى حين البروز، ثم أخرج طفلاً يتنقل من خرق القماط إلى خز الخزوز، ويمر في أغراضه لولا أن العقل حجوز، فأعجب والديه فأنفقا عليه كل مكنوز، فلما حل الهدم بودي سارة منع الولدان يجوز، وأقلع شجر بستانها وتعطلت المروز، وانقضى زمان الدلال وفات وقت النشوز، وأقل محنة الكبير أن تقع النواة في الكوز، فجاءت البشارة في كانون اليأس بآمال تموز، فجعلت أن تقول متى تصديقاً لما أتى من الوعد يا فتى، (قالَت يا وَيلتا أألِدُ وأنا عَجوزُ) .
الحمد لله الذي أظهر الدليل على وجوده وأبرزه، وأقام علم الهدى على منار النظر وركزه، وأزعج الغافل عنه بالموعظة ووكزه، قسم الأرزاق فكم ذي قوة قد تحرزه، محصور عن مراده وإن طلبه أعوزه، وكم موسع عليه قد فضل عنه ما أحرزه، فسبحان من جعل هذا فتنة لأرباب المعجزة، والخامل يغيب المذكور وينسى من أنشزه، والجاهل يغمز العالم وما يفيء العقاب بالنزه (وَيلَ لكلّ هُمَزةٍ لُمَزَه) .
الخطبة الأولى الحمد لله الذي لانت لهيبته العتاة الشرس، وذلت لسطوته الطغاة الجبس، ونفذ حكمه فبحكته المآتم والعرس، ولم يدفع قضاءه درع ولا ترس، يرى في الجنة كما روى وكيع بن عرس، متكلم وقد جل عن صفات الخرس، كلامه مسموع بالأسماع مكتوب في الطرس، تعالى عما يعتقده فيه الغواة النجس، أنزله على رسله الكرام الفضلاء الندس، منهم من كلم الله (وَرَفَعَ بَعضَهُم دَرجاتٍ وآتينا عِيسى اِبن مَريمِ البيِّناتِ وأيَّدناهُ بِرُوحِ القُدُسِ) .
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي يسبحه الغصن الرطيب والعود اليبيس، والثوب الجديد والخلق والتدريس، لا ينفق عنده النفاق ولا يحب التدليس فرق الخلائق بين مرؤوس ورئيس، وباين بين العزائم فمنطلق وحبيس، وستر العواقب فكم مطرود في حلل التعبد يميس، اختار آدم فغلبت القلوب بالحسد، وكان تأثير التنفيس، إن قالت الملائكة نحن أهل التسبيح والتقديس، فقيل لهم كل العبادات طعام وتعبد هذا دقيق الكيس، وقال إبليس هذا طين وأصل الطين خسيس، وأنا خلقت من نارٍ وجوهر النار نفيس، فقاس مع النص والفقيه إذا جاء نص لا يقيس، فأنماث بالجسد عقله كإيماث الرميس، فلما قيل اسجد واضرب الشرس الخلق إلا شريس، فلاومه الخزي واللعن سجيس عجيس، فإختار الأنظار على الغفران وكذا اختيار المناحيس، فهو يبغض الأذان من جهله ويحب النواقيس، وما أمهله إلا ليرى صبر نوح وذكاء إدريس، ومجاهدات الخليل يوم حرقوه وقد حمي الوطيس، وملاقاة الكليم فرعون وقد اقتسما كلمتي نعم وبيس، وزهد عيسى وفضائل أحمد أحمد من سارت به العيس، ويرى من الأتباع من له مرتبة أنا جليس، ومن الكاملات مع نقص الأنوثة كآسية وبلقيس، فلما أحس الأملاك بفضل آدم ووجودا (فَسَجَدوا إلاّ إبليسُ) .