الحمد لله الذي بيده الخسر والربح، والصبر والنجح، والغضب والصلح، والدجى والصبح، يبصر الذر ولا يمنعه الجنح، ويكون الشيء ولا يسبقه اللمح، له الحمد والثناء والمدح، ومنه يرجى العفو ويطلب الصفح، قضاءه ينيل الأغراض لا الكدح، فهم سليمان الحكم إذ نفش السرح، فغلب الخلق ومن قهره الصرح، أسعد وأشقى وأفقر وأغنى ويطول الشرح، والناس كالأرض فمنها الحزن والسهل العذب والملح، والطباع مختلفة ففيها الكرم والشح، والأيدي متفاوتة فمنها الشح والسمح، علق القصاص بالحد فسهل القتل والجرح، وأثاب الخليل بالتسليم وما جرى الذبح، فمن أراج لحاق الفاضلين صبر وآيس ذا بالإلزام والطرح، (الَّذِينَ اِستَجابوا للهِ والرَسُول مِن بَعدِ ما أصابَهُم القَرحُ) .
الحمد لله الذي بسط الأرض الأريضة الفسيحة، وقدر الأعمال والأقوال الفصيحة، الحسنة والقبيحة، وخاطب فتكاليفه خاطره ومبيحة، وحمل عبء التعب فما نفس عاقل مستريحة، حرم الميتة والمخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، وتدارك جسد الآدمي لئلا ينحل وينحل فأحل له الذبيحة، أنعم فكم أسدى نعمة وكم أعطى منيحة، وزجر فرد بمواعظه إلى الصواب القلوب المشيحه، وعرض العباد لمعاملته فمتاجرته بيحه، جزيل العطا فربما وهب الجنة بتسبيحه، قضى الديون وفك الرهون فأقر العيون القريحة، وفارق بين الخلائق في الأحداق فأبلد وذو قريحه، أقام البراهين على وحدانيته فالدلالات مريحة، ظاهرة الأبصار بادية للأفكار صريحة، لقد تجلى لخلقه بخلقه فجحده وجوده فضيحة، الصامت يدل بحالاته والناطق بمقالاته الفصيحة، كم أبرز عروس غروس عروش مليحة، وكم أخرج وجوها من النبات على اختلاف الألوان صبيحة، وكم أقام الورق على الورق تصدح وتمدح فاسمع تمديحه، والنرجس الشيحه والطير في بحر الهدى تخرق بمجاذيف أجنحتها ريحه، وما من منذر إلا وتصيح على باب دار الهوى نصيحه، وكل مخلوق في الأرض والطول والعرض، (ألم تَرَ أنَّ اللهَ يُسَبِحُ لَهُ مَن فِي السَماواتِ والأرضِ والطَيرُ صافّاتٍ كُلُ قَد عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسبِيحَه) .
الخطبة الأولى الحمد لله المتفرد بالوحدة وحده، الذي رغب فيما عنده عبده، منعه الذي يؤذيه بالتحريم وصدهن وما حرم شيئاً إلا وأباح من جنسه عده، رباه باللطف فلما بلغ أشده، أجاز له النكاح لدفع تلك الشدة، فإن لم يقنع الهوى بالمباح فليخبر بقصر المده، فإن أهجر من هجر فما الزجر حتى فقدحه حده (الزَانِيةُ والزَانِي فاَجلِدوا كُلَّ واحدٍ مِنهُما مِائَة جَلدَة) .
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي يذل لعزته المتجبر ويعيده، ويتواضع لعظمته المتكبر ويسجد، ويقوم في خدمته من يقوم له الناس ويقعد، ويسهر في طاعته من يرجو حسن إثابته ولا يرقد، إذا دخل الداخل في العمل له يفسد، وإذا قصدت به أسواق الخلق يكسد، يجل كلامه عن أن يقال مخلوق ويبعد، جد جدّ التسليم لصفاته مستقيم الجدّ جد، وكرمه سياح فلا يحتاج إلى أن يقال جدّ جد، من شبه أو عطل ولم يرشد، ما جاء في القرآن قبلنا أو في السنة لم يردد، فأما أن تقول في الخالق برأيك فاشك بتردد، ألساني يملي أم داود يسرد، وكيف لا أتفقد العقائد لأدفع الضير، فإن سليمان تفقد الطير، (فقالَ ماليَ لا أرَى الهُدهُدَ) ، في قلوب أحبابي فرحات، وفي قولب حسادي قرحات تنفد، كلامي للأمراض يشفي وللأعداء يشقي فمن أعجبه غرفي فليرد، ما يربح حسادي، فإني في الوادي، الذي لا ازرع أحصد.
الحمد لله الذي تسبحه الأعيان المائعة والجامده، والعيون الجارية والراكدة، والعيون المتيقظة والراقده، والقلوب القلقة والبارده، أسجد الملائكة لآدم لا إنها عائده، ونجى نوحاً وغرق الأمم الجاحده، وسلم الخليل يوم النار فأصبحت خامدة، وكلم موسى كفاحاً واعظم بها فائدة، وأحيا الموتى لعيسى وأنزل المائدة، وقدم محمداً فما ولدت مثله والده، ودحر الشياطين لمبعثه فذلت المارده، وأطلق سيوفه في أعدائه فأصبحت حاصده، وجعل أمته على الأمم قبلها شاهده، فاشكروه فقد أحبكم واحمدوه، إذ أعذب شربكم. (يا أيُها الناسُ اِتَّقوا رَبَّكُم الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَة) .