الحمد لله الذي لا شأن يشغله، ولا نسيان يذهله، ولا قاطع لمن يصله، ولا نافع لمن يخذله، جل عن مثل يطاوله، أو ند يشاكله، أو نظير يقابله، أو مناظر يقاوله، يحلم عن العاصي ولا يعاجله، ويدعي الكافر له شريكاً ويمهله، ثم عن إذا بطش هلك كسرى وصواهله، وذهب قيصر ومعاقله، استوى على العرش فلا شبه له يماثله، هذا جملة اعتقادنا وهذا حاصله، من ادعى علينا التشبيه فالله يقابله، مذهبنا مذهب أحمد ومن كان يطاوله، وطريقنا طريق الشافعي وقد علمت فضائله، ويرفض قول جهم وقد عرف باطله، ونوقل رؤية الحق ومتى خاب آمله، لقد حنت حنة إلى فسألت من لا يرد سائله، فانكسرت بوضع أنثى فجبر المكسور قابله، (وَكفَلَها زَكَرِيّا) ، وإذا وكيل الغيب يواصله، فيا لها من كفول ما تعنى كافله، فلما بلغت حملت بمن شرف حامله، فتعجبت من ولدٍ لا عن والدٍ يشاكله، فقيل هزي فهزت جذعاً يابساً تزاوله، فأخرج في الحال رطباً رطباً يلتذ آكله، فاستدلت على تكوين ولدٍ تحمد شمائله، فالنصارى غلت واليهود عتت فأتت به قومها تحمله، واهاً لبحر فصاحتي ما يدرك ساحله، ولبيد جزالتي قد تعبت رواحله، قتلت حسادي بلفظي وخير البر عاجله.
الحمد لله الذي أخرج البذر وربي طفيله، وشق النواة عن طافة خضراء فصارت نخيلة، فتارة برنية وتارة دقيله، فإذا اشتكى الزرع قلة الماء أرسل سيله، فعم بالنعم الخلائق وأغنى العيله، تاب على قوم يونس وأهلك أهل أيلة قدم نبينا فأطال في الفضل ذيله، واختار لنصرته الأنصار بني قيله، وكسر كسرى وملكهم رجله وخيله، أتى موسى ناراً يطلب منها شعيله، فكلم ربه وأمره أن يخلع نعيله، كلامه مسموع فويل للمنكر ويله، اتفق الخلق على هذا إلى أن برح عليله، لو أن أمر البدعي إلي أحرقته في جليلة، على أني قد صمت ظهر المبتدع وأخرجت فيه وبيله، مزقت لحوم أهل البدع وخبأت للمتأخرين فضيله، كم فتكت بسامري وأحرقت عجيله، السنة حلوة، وأنا استخرجت العسيلة، الله كلم موسى اضربوا على هذا بالطبيله، (وواعَدنا مُوسى ثلاثِين لَيلةً وأتممناها بِعَشرٍ فتَم مِيقاتُ رَبِّهِ أربعِين لَيلة) .
الخطبة الأولى الحمد لله الذي أعزّ من بخدمته يحتمي، وشرف من إلى طاعته ينتمي جلَّ عن نظير وشبيه وسمي، أقر بوحدانيته لحمي ودمي، وأعلمني وجودي أنه أخرجني من عدمي، وعجز عن الإحاطة بصفاته ذهني وفهمي، يستغيث بعونه المريد أيقظ همي، والمنيب إلى بابه ثبت قدمي، والسالك في طريق مرضاته قوي عزمي، والمعذب بالشوق إلى أرحم ألمي، كلم موسى كفاحاً وقال اسمع كلمي، وأنزل ذلك في كتابنا أفصم المبتدع أو عمي، أفيؤمن اليهودي وينكر المسلم يا ثكلى السنة الطمي، أيجحد الحق وسيفي في يدي وتحتي أدهمي، لأوقعن أعداء المجاهدة خيمي، لا سكت صوت بوقي ولا نكس علمي، جمعت بين الكتاب والسنة وعاش لي توأمي، سوط السنة بيدي أضرب به من إلى البدع ينتمي، هذه (عَصاي أتَوكأ عَليها وأهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي) ، يا لها من دررٍ قذف بها بحر قلبي إلى ساحل فمي، نفخت كير الفصاحة فحمى فحمي.
الحمد لله خالق النظر والكمه، ورازق الحرة والأمة، مقدر الرشاد والعمة، الذي أنشأ الآدمي وقومه، وشق سمعه وبصره وفمه، وكلفه ما شاء وألزمه، وفرض عليه ما أراد وحتمه، وأخره إذا شاء وقدمه، وأنعم على الغني ولا يقال في الفقير ظلمه، فليصبر على مقاساة الأغنياء فإن القوم ظلمه، ألم تسمع كيف احتجوا للمدافعة لقلة المرحمة، (أنُطعِم مَن لو يَشاءُ اللهُ أطعَمَه)
الحمد لله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا تغيره سنة ولا يوم، وكل باقٍ يفنى وله وحده الدوم، ومن أجله الصلاة ولحقه الصوم، يغضب على ويرضى عن قوم، اشترى من المؤمنين أنفسهم فانعقد البيع بلا سوم، أورد الأحباب مشرع الهدى من غير بحث منهم ولا حوم، وغمسهم في بحر التكاليف ومن منه تعلموا العوم، كما بلغ أهل الكهف أقصى الأمل ومنتهى الروم، ناموا على سدة السيادة والملائكة تقلب القوم، فلما استيقظوا فأنكروا من هم، (قالَ قائِل مِنهُم كَم لَبِثتُم قالوا لبِثنا يَوماً أو بَعضَ يَوم) .
الخطبة الأولى