الحمد لله الغني في إيجاده عن التكلف، العادل في أفعاله والتصرف، الجائد بالأنعام الزائد والتعطف، القائل للشيء كن فيكون بلا توقف، ألف فأحكم التأليف، وتألف فأحسن التأليف، تعرف إلى خلقه بأدلةٍ تشفي أهل التعرف أوصافه مأخوذة عن الأنبياء لا عن أهل التفلسف، تلق المنقول بكف المعقول واربح التعسف، جل من كريم يغيث المستغيث ويرحم التلهف، ويحب التواضع ويكره التعجرف، ويبغض التلطخ بالخطايا ويختار التنظف، ويؤثر سهل الأخلاق لا شراسها في التقشف، أغنى وأفقر فليحد الواجد للسؤال وأهل التشوف، (للفُقَراءِ الَّذِين أُحصِروا فِي سَبيلِ اللهِ لا يَستَطيعُون ضَرباً فِي الأرضِ يَحسَبُهُم الجاهِلُ أغنِياءَ مِن التَعَفُّفِ) .
الحمد لله صانع المؤتلف وجامع المختلف، أكمل من وصف وأعدل من ينتصف جوده قد عرف، وحلمه قد ألف، وإن حدق حس إلى عظمته طرف، وإن استرق شيطان فكر في سماء عزته قذف، أنزل كلاماً قديماً نؤمن به ونعترف، ونجعله بحراً خضماً منه الفهوم تغترف، فتلاعب به أهل الضلال فإذا أهواؤهم تختلف، قال بعضهم كلام الله معنى قائم بذاته لا يأتلف، ليس في كلام الله لام ولا ألف، وقال النظام هو مخلوق والنظام قد خرف، واجتمعوا في بيت البدعة وبيت البدعة يكسف، وكدروا مشرع القرآن والقرآن صلف، ولا حور، (والسَماءُ ذاتُ الحُبُكِ إنّكُم لَفِي قُولٍ مُختَلِف) .
الخطبة الأولى الحمد لله الذي ينفق ويرفق، ويسوق الأقوات إلى المخلوقات ويرزق، يبعث السحاب وفيه البرق يبرق، فينزل القطر فيورق الغصن وينسق، ويفتح أكمام النبات بقدرته ويفتق، ويجمع بين الأضداد إذا شاء ويفرق، ويعلم بالنهار ما يحدث وبالليل ما يطرق، بإرادته تصير البيضة فرخاً وبمشيئته تمرق، يعلم خائنة الطرف حين يسارق ويرمق، يثيب المخلص والرياء عنده لا ينفق، نفذ قضاؤه فجاع بشر وشبع يلبق، يحب المطيع ويبغض من يفسق، يرمي بنبل هجره من أعرض عنه ويرشق، له كتاب وسنة ومخالفهما يمرق، يجهل من يشبهه بمصنوعاته ويخمن (أفَمَن يَخلُقُ كمن لا يَخلُق) .
الخطبة الأولى الحمد لله الذي فصم عرى الجبابرة وفك، وقصم أعناق القياصرة وبك، ورفع باليقين ما اعترض في القلب وحك، وتجلى بهيبته للجبل فساخ واندك، لا يغرب عن سمعه صوت الفصيل إذا أمتك، ولا عور بعود إذا قر أو احتك، ابتلى العباد لا ليكون ما لم يكتب في الصك (إلاَّ لِنعلَمَ مَن يُؤمِنُ باِلآخِرةِ مِمَّن هُو مِنها فِي شَكٍّ) .
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي يسبحه الملك والملك، والفلك والفلك، والنور والحلك، والسبيل ومن سلك، إذا أعرض عن عبدٍ هلك، وإذا أعان فقيراً ملك، توحد بالأقضية فما فيها مشترك، كم نكس من نسك وكم عثر لا بحسك، خصك بالتقديم على الملائكة وآمرك، وأعطاك سلاح الجهاد وأقام المعترك، فقبلت نفسك بالخطايا فعلى من الدرك، وبارزته بالذنوب كأنه لم يرك، وأقدمت على خلافه فما أجسرك، وسمعت وصف عذابه فما أصبرك، ولقد كنت صغيراً مطيعاً فماذا غيرك، إن اختطفت قوياً وإلا قاسيت كبرك:
تَسوقُ القَوِي بِالعَصا ... ونَضُو القَوِي قَد بَرَك
فاسمع قسمة ما لك يا من قد أنفرك، (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أولادِكُم لِلذَّكَرِ مِثلُ حَظَّ الأُنثَيينِ فإن كُنَّ نِساءً فَوقَ اِثنَتينِ فَلَهُن ثُلُثا ما تَرك) .
الحمد لله المتفرد بالملك ولا شريك، القاصم أعناق الجبابرة فقد بت مرتبك، الذي نصر بي جند السنة وقد ضعفوا فأنا اليزك، وقتل بوجودي حسادي ولا درك، فأنا أصعد وهم ينزلون إلى الدرك، وكلما لاح آمال فؤادي دار على مرادي الفلك، وكلما جاء عرفي شب في العلم وما أنفرك، زاحمت كبار العلماء قالوا تاالله لقد آثرك، وأقر بالعجز فخلا لي المعترك، وكلما نصب إبليس لي شركاً خرقت ذلك الشرك، وما أبقى حيلة لي في مكائده ولا ترك، وهذا كله لا مني بل مِن من ملك، (قُل لا أقُولُ لكُم عِندِي خَزائِنُ اللهِ ولا أعلمُ الغيبَ ولا أقُولُ لكُم إنِّي مَلَك) .