قال أبو حيان: "أي ليس غرضهم ومبلغ الرضا منهم ما يقترحونه عليك من الآيات ويوردونه من التعنتات فإنك لو جئتهم بكل ما يقترحون وأوجبتهم عن كل تعنت لم يرضوا عنك ثم أخبره بأنهم لن يرضوا عنه حتى يدخل في دينهم ويتبع ملتهم" (?).

و(الملة): "اسم لما شرعه الله لعباده في كتبه وعلى ألسنة رسله، فكانت الملة والشريعة سواء، فأما الدين فقد فرق بينه وبين الملة والشريعة، فإن الملة والشريعة ما دعا الله عباده إلى فعله، والدين ما فعله العباد عن أمره" (?).

وقوله تعالى: {مِلَّتَهُمْ}، "فالمراد به الكثرة وإن كانت موحدة في اللفظ بدليل إضافتها إلى ضمير الكثرة، كما تقول: أخذت عن علماء أهل المدينة - مثلا - علمهم، وسمعت عليهم حديثهم، يعني علومهم وأحاديثهم" (?).

وأخرج الثعلبي عن ابن عباس، في قوله تعالى: {مِلَّتَهُم}، قال: "دينهم" (?).

قال ابن عطية: " والملة الطريقة، وقد اختصت اللفظة بالشرائع والدين، وطريق ممل أي قد أثر المشي فيه" (?).

واختلف في أصل (الملة) في اللغة على أقوال:

أحدها: الدين، قاله ابن عباس (?).

وفي سبب تسمية الدين بالملة قولان (?):

القول الأول: أنه "سُمَيَ الدينُ ملّةً؛ لأنه يُمَلُّ، أي: يُملَى على المدعوِّ إليه" (?).

القول الثاني: أن "الملّة: (فِعْلةٌ) من مَلَّه يمُلّه، إذا ألقاه في الرماد الحار، جُعِلَتْ اسمًا للدين؛ لما فيه من مشاق تخرج عن قضية" (?).

الثاني: السنّة والطريقة. قاله الزجاج (?).

ومنه (المَلة)، "أي: الموضع الذي يختبز فيه، لأنها تؤَثر في مكانها كما يؤَثِّر في الطريق" (?).

وقد اختلف العلماء في توارث الكفار بعضهم من بعض، كاليهود مع النصارى أو المجوس، على أقوال (?):

القول الأول: أن الكفر بجميع نحله ملة واحدة.

قال القرطبي: " تمسك بهذه الآية جماعة من العلماء منهم أبو حنيفة والشافعي وداود وأحمد بن حنبل على أن الكفر كله ملة واحدة، لقوله تعالى: {مِلَّتَهُمْ} فوحد الملة، وبقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6]، وبقوله عليه السلام: "لا يتوارث أهل ملتين" (?) على أن المراد به الإسلام والكفر، بدليل قوله عليه السلام: "لا يرث المسلم الكافر" (?) " (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015