والرابع: وقال ابن عطية: " روي أن سبب هذه الآية أن اليهود والنصارى طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدنة، ووعدوه أن يتبعوه بعد مدة خداعا منهم، فأعلمه الله تعالى أن إعطاء الهدنة لا ينفع عندهم، وأطلعه على سر خداعهم" (?).
قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]، " أي لن ترضى عنك الطائفتان «اليهود والنصارى» حتى تترك الإِسلام لمنير وتتبع دينهم الأعوج" (?).
قال الطبري: أي " وليست اليهود، يا محمد، ولا النصارى براضية عنك أبدا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق" (?).
قال الزجاج: " أَعلم اللَّه عزَّ وجلَّ أَنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم، فنهاه اللَّه ووعظه في الركون إِلى شيءٍ مما يدعون إِليه" (?).
قال القرطبي: " فأعلمه الله أنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم، وأمره بجهادهم" (?).
قال الواحدي: " أخبر أنه لا يرضيهم إلا ما يستحيل وجوده، وما لا سبيل إليه؛ لأن اليهود لا ترضى عنه إلا بالتهود، والنصارى إلا بالتنصر، ويستحيل الجمع بينهما، فإذا استحال إرضاؤهم فهم لا يرضَوْنَ عنه أبدًا" (?).
قال السعدي: " يخبر تعالى رسوله، أنه لا يرضى منه اليهود ولا النصارى، إلا باتباعه دينهم، لأنهم دعاة إلى الدين الذي هم عليه، ويزعمون أنه الهدى" (?).
قال النسفي: "كأنهم قالوا لن نرضى عنك وإن أبلغت في طلب رضانا حتى تتبع ملتنا إقناطاً منهم لرسول الله عن دخولهم في الإسلام، فذكر الله عز وجل كلامهم" (?).
قال أبو السعود: " بيان لكمال شدة شكيمة هاتين الطائفتين خاصة إثر بيان ما يعمهما والمشركين من الإصرار على ما هم عليه إلى الموت، وإيراد {لا} النافية بين المعطوفين لتأكيد النفي لما مر من أن تصلب اليهود في أمثال هذه العظائم أشد من النصارى، والإشعار بأن رضى كل منهما مباين لرضى الأخرى أي لن ترضى عنك اليهود ولو خليتهم وشأنهم حتى تتبع ملتهم ولا النصارى ولو تركتم ودينهم حتى تتبع ملتهم، فأوجز النظم ثقة بظهور المراد وفيه من المبالغة في إقناطه صلى الله عليه وسلم من إسلامهم ما لا غاية وراءه، فإنهم حيث لم يرضوا عنه عليه السلام ولو خلاهم يفعلون ما يفعلون، بل أملوا منه صلى الله عليه وسلم مالا يكاد يدخل تحت الإمكان من اتباعه عليه السلام لملتهم، فكيف يتوهم اتباعهم لملته عليه السلام وهذه حالتهم في أنفسهم ومقالتهم فيما بينهم، وأما أنهم أظهروها للنبي صلى الله عليه وسلم وشافهوه بذلك وقالوا لن نرضى عنك وإن بالغت في طلب رضانا، حتى تتبع ملتنا كما قيل فلا يساعده النظم الكريم، بل فيه ما يدل على خلافه فإن قوله عز وجل" (?).