6 - ومنها: أن قول الله بصوت مسموع؛ لقوله تعالى: {فإنما يقول له كن فيكون}؛ و {له} صريحة في توجيه القول للمقول له؛ ولولا أنه يسمعه لما صار في توجيهه له فائدة؛ ولهذا يسمعه الموجه إليه الأمر، فيمتثل، ويكون.

7 - ومنها: أن قول الله بحروف؛ لقوله تعالى: {كن}؛ وهي كلمة بحرفين.

فإن قال قائل: كيف يمكن أن نتصور هذا ونحن نقول: ليس كمثله شيء؛ وأنتم تقولون: إنه بحروف؟ قلنا: نعم؛ الحروف هي الحروف؛ لكن كيفية الكلام، وحقيقة النطق بها - أو القول - لا يماثل نطق المخلوق، وقوله؛ ومن هنا نعرف أننا لا نكون ممثِّلة إذا قلنا: إنه بحرف، وصوت مسموع؛ لأننا نقول: صوت ليس كأصوات المخلوقين؛ بل هو حسب ما يليق بعظمته، وجلاله.

8 - ومن فوائد الآية: أن الجماد خاضع لله سبحانه وتعالى؛ وذلك لأن قوله تعالى: {وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} يشمل الأمور المتعلقة بالحيوان، والمتعلقة بالجماد؛ فالجماد إذا قال الله تعالى له: {كن} كان.

9 - ومنها: أنه ليس بين أمر الله بالتكوين، وتكونه تراخٍ؛ بل يكون على الفورية؛ وذلك لقوله تعالى: {فيكون}: بالفاء؛ والفاء تدل على الترتيب، والتعقيب.

القرآن

{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)} [البقرة: 118]

التفسير:

وقال الجهلة من أهل الكتاب وغيرهم لنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم على سبيل العناد: هلا يكلمنا الله مباشرة ليخبرنا أنك رسوله، أو تأتينا معجزة من الله تدل على صدقك. ومثل هذا القول قالته الأمم من قبلُ لرسلها عنادًا ومكابرة؛ بسبب تشابه قلوب السابقين واللاحقين في الكفر والضَّلال، قد أوضحنا الآيات للذين يصدِّقون تصديقًا جازمًا؛ لكونهم مؤمنين بالله تعالى، متَّبعين ما شرعه لهم.

اختلف في سبب نزول الآية على أقوال (?):

أحدها: أخرج الطبري وابن ابي حاتم، عن ابن عباس قال: "قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت رسولا من عند الله كما تقول، فقل لله عز وجل فليكلمنا حتى نسمع كلامه! فأنزل الله عز وجل في ذلك من قوله: {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية}، الآية كلها" (?).

ورجحه ابن حجر فقال: " والراجح من حيث السند قول ابن عباس رضي الله عنهما" (?).

والثاني: واخرج الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: "هم النصارى، والذين من قبلهم: اليهود" (?).

والثالث: وعن قتادة قال: "هم كفار العرب" (?). وروي عن الربيع (?)، والسدي (?) مثل ذلك.

والراجح: أن النصارى هم المعنيون بالآية، لأن ذلك في سياق خبر الله عنهم، وعن افترائهم عليه وادعائهم له ولدا. والله تعالى أعلم.

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 118]، "أي: قال الجهلة من أهل الكتاب وغيرهم (?).

قال ابن عثيمين: " أي ليسوا من ذوي العلم" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015