فإن قيل: " في أي حال يقول له كن فيكون؟ أفي حالة عدمه أم في حال وجوده؟ فإن كان في حال عدمه، استحال أن يأمر إلا مأموراً، كما يستحيل أن يكون الأمر إلا من آمر، وإن كان في حال وجوده، فتلك حال لا يجوز أن يأمر فيها بالوجود والحدوث، لأنه موجود حادث؟ " (?).
قيل: عن هذا السؤال أجوبة ثلاثة (?):
أحدها: أنه خبر من الله تعالى عن نفوذ أوامره في خلقه الموجود، كما أمر في بني إسرائيل، أن يكونوا قردة خاسئين، ولا يكون هذا وارداً في إيجاد المعدومات.
الثاني: أن الله عز وجل عالم، بما هو كائن قبل كونه، فكانت الأشياء التي لم تكن وهي كائنة بعلمه، قبل كونها مشابهة للأشياء التي هي موجودة، فجاز أن يقول لها كوني، ويأمرها بالخروج من حال العدم إلى حال الوجود، لتصور جميعها له ولعلمه بها في حال العدم.
والثالث: أن ذلك خبر من الله تعالى، عامٌ عن جميع ما يُحْدِثُه، ويكوّنه، إذا أراد خلقه وإنشاءه كان ووجد من غير أن يكون هناك قول يقوله، وإنما هو قضاء يريده، فعبر عنه بالقول وإن لم يكن قولاً، كقول أبي النجم (?):
وقالت للبَطْنِ الْحَقِ الحق ... قِدْمًا فآضت كالفَنِيقِ المحنِق
ولا قول هنالك، وإنما عنى أن الظهر قد لحق بالبطن. وكما قال عمرو بن حممة الدوسي (?):
فأصبحت مثل النسر طارت فراخه ... إذا رام تطيارا يقال له: قعِ
ولا قول هناك، وإنما معناه: إذا رام طيرانا وقع، وكما قال الآخر (?):
امتلأ الحوض وقال: قطني ... سلا رويدا، قد ملأت بطني
والراجح، أنه "عام في كل ما قضاه الله وبرأه لأن ظاهر ذلك ظاهر عموم، وغير جائزة إحالة الظاهر إلى الباطن من التأويل بغير برهان" (?). والله أعلم.
وفي قوله تعالى: {فَيَكُونُ} [البقرة: 117] قراءتان (?):
إحداهما: النصب، جواباً للأمر: {كن}، أي فبسبب ذلك يكون؛ وتكون الفاء للسببية.
وضعفه أبو علي، فقال: " أجمع الناس على رفع يكون، ورفضوا فيه النصب، إلا ما روي عن ابن عامر وهو من الضعف بحيث رأيت، فالوجه في يكون الرفع" (?).