القول الثاني: أنه عام في جميع الخلق، ثمّ سلكوا في الكفّار الجاحدين طريقتين:

أحدهما: إنّ ظلالهم تسجد لله وتطيعه، وهذا قول مجاهد (?)، دليله قوله عزّ وجلّ: {يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ} [النحل: 48]، الآية. وقوله: {وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15] (?).

والثاني: لأن هذا يوم القيامة، قاله السدي (?)، وتصديقه قوله: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111] (?).

وقيل: " طاعة الجميع لله تكونهم في الخلق عند التكوين إذا قال: كن كان كما أراد (?)، فنسب القنوت إليه كما نسبت الخشية إلى الحجارة، والمحبة إلى الجبال، والشكوى إلى الإبل، والسجود إلى الأشجار" (?).

الفوائد:

1 - من فوائد الآيتين: بيان عتوّ الإنسان وطغيانه، حيث سبَّ الله سبحانه وتعالى هذه السبَّة العظيمة، فقال: إن الله اتخذ ولداً! ! ! في الحديث الصحيح القدسي: «كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك؛ وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: إنه لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفْئاً أحدٌ» (?)؛ فهذا من أعظم العدوان؛ وهو يشير كما تقدم في التفسير إلى ثلاث طوائف: اليهود، والنصارى، والمشركين؛ وقد أبطل الله هذه الدعوى الكاذبة من ستة أوجه:

الوجه الأول: في قوله تعالى: {سبحانه}؛ فإن تنزهه عن النقص يقتضي أن يكون منزهاً عن اتخاذ الولد؛ لأن اتخاذ الولد يقصد به الإعانة، ودفع الحاجة، أو بقاء العنصر؛ والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك؛ ومنزه أيضاً عن المماثلة؛ ولو كان له ولد لكان مثيلاً له.

الوجه الثاني: في قوله تعالى: {بل له ما في السموات والأرض}؛ وعموم ملكه يستلزم استغناءه عن الولد.

الوجه الثالث: في قوله تعالى: {بل له ما في السموات والأرض}، والمملوك لا يكون ولداً للمالك؛ حتى إنه شرعاً إذا ملك الإنسان ولده يعتق عليه؛ فالمملوك لا يمكن أن يكون ولداً للمالك؛ فالله خالق؛ وما سواه مخلوق؛ فكيف يكون المخلوق ولداً للخالق!

الوجه الرابع: في قوله تعالى: {كل له قانتون}؛ ووجهه أن العباد كلهم خاضعون ذليلون؛ وهذا يقتضي أنهم مربوبون لله عابدون له؛ والعبد لا يكون ولداً لربه.

الوجه الخامس: في قوله تعالى: {بديع السموات والأرض}؛ ووجهه أنه سبحانه وتعالى مبدع السموات والأرض؛ فالقادر على خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق إنساناً بلا أب، كما قال تعالى: {لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس} [غافر: 57].

الوجه السادس: في قوله تعالى: {إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون}؛ ومن كان هذه قدرته فلا يستحيل عليه أن يوجد ولداً بدون أب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015