والخامس: أي: مصلّون، قاله ابن عباس (?)، ودليله قوله: {أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ} [الزمر: 9]، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المجاهد في سبيل الله مثل القانت الصائم» (?)، أيّ المصلّي (?).
والسادس: وقيل: داعون. ودليله قوله تعالى: {قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ} [البقرة: 238] (?).
والسابع: مخلصون. قاله سعيد (?).
والراجح هو القول الأول، وهو القول عن مجاهد - وهو اختيار الإمام الطبري (?) - يجمع الأقوال كلها، وهو أن القنوت: هو الطاعة والاستكانة إلى الله، وذلك شرعي وقَدري، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الرعد: 15]، وقد وَرَد حديث فيه بيان معنى القنوت في القرآن، فروي عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة" (?). والله أعلم.
وقد ذكر الشيخ السعدي: بأن القنوت نوعان (?):
أحدهما: قنوت عام: وهو قنوت الخلق كلهم، تحت تدبير الخالق، كما في هذه الآية.
والثاني: قنوت خاص: وهو قنوت العبادة، وذلك كما في قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].
وقد اختلف العلماء في حكم هذه الآية، على قولين (?):
القول الأول: أن حكمه خاص، ثمّ سلكوا في تخصيصه طريقين:
الأول: أنه راجع إلى عزير والمسيح والملائكة، وهو قول مقاتل (?)، ويمان (?).
فأراد: "أنهم كلهم عباد الله طائعون، نظيره: قوله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] " (?).
والثاني: أنه راجع إلى أهل طاعته دون النّاس أجمعين. وهذا قول ابن عبّاس (?) والفراء (?).
وقد رد الطبري في تفسيره القول بالخصوص، بأنه لا يجوز ادعاء خصوص في آية ظاهرها العموم، إلا بحجة (?).