قال أبو السعود: " ي ليس الأمر كما زعموا بل هو خالق جميع الموجودات التي من جملتها عزيز والمسيح والملائكة" (?).
قال ابن كثير: " أي: ليس الأمر كما افتروا، وإنما له ملك السماوات والأرض، وهو المتصرف فيهم، وهو خالقهم ورازقهم، ومُقَدِّرهم ومسخرهم، ومسيرهم ومصرفهم، كما يشاء، والجميع عبيد له وملك له، فكيف يكون له ولد منهم، والولد إنما يكون متولدًا من شيئين متناسبين، وهو تبارك وتعالى ليس له نظير، ولا مشارك في عظمته وكبريائه ولا صاحبة له، فكيف يكون له ولد! ... فقرر تعالى في هذه الآيات الكريمة أنه السيد العظيم، الذي لا نظير له ولا شبيه له، وأن جميع الأشياء غيره مخلوقة له مربوبة، فكيف يكون له منها ولد! " (?).
وقد روي عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: كَذَّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إيَّاي فيزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله: لي ولد. فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا" (?).
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم ينبغ له أن يكذبني، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني، أما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني. وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا، وأنا الله الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد" (?).
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله؛ إنهم يجعلون له ولدا، وهو يرزقهم ويعافيهم" (?) (?).
قال الرازي: "اعلم أن هذا هو النوع العاشر من مقابح أفعال اليهود والنصارى والمشركين ... ووجه الاستدلال بهذا على فساد مذهبهم من وجوه (?):
الأول: أن كل ما سوى الموجود الواجب ممكن لذاته، وكل ممكن لذاته محدث، وكل محدث فهو مخلوق لواجب الوجود، والمخلوق لا يكون ولدا.
والثاني: أن هذا الذي أضيف إليه بأنه ولده إما أن يكون قديما أزليا أو محدثا، فإن كان أزليا لم يكن حكمنا بجعل أحدهما ولدا والآخر والدا أولى من العكس، فيكون ذلك الحكم حكما مجردا من غير دليل وإن كان الولد حادثا كان مخلوقا لذلك القديم وعبدا له فلا يكون ولدا له.
والثالث: أن الولد لا بد وأن يكون من جنس الوالد، فلو فرضنا له ولدا لكان مشاركا له من بعض الوجوه، وممتازا عنه من وجه آخر، وذلك يقتضي كون كل واحد منهما مركبا ومحدثا وذلك محال، فإذن المجانسة ممتنعة فالولدية ممتنعة.
الرابع: أن الولد إنما يتخذ للحاجة إليه في الكبر ورجاء الانتفاع بمعونته حال عجز الأب عن أمور نفسه، فعلى هذا إيجاد الولد إنما يصح على من يصح عليه الفقر والعجز والحاجة، فإذا كان كل ذلك محال كان إيجاد الولد عليه سبحانه وتعالى محالا.
قوله تعالى: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [البقرة: 116]، " أي: كل له خاشع ذليل" (?).