الثاني: أنه يُوَسِّع على عباده في دينهم، ولا يضطرهم إلى ما يعجزون عن أدائه، فهو واسعُ الرَّحمة، واسع الشريعةِ بالترخيص لهم في التوجهٍ إلى أي جهة أدَّى إليها اجتهادهم عند خفاء الأدلة (?).
الثالث: أنه يسع علمَ كلِّ شيء، ويسع علمُه كلَّ شيء، كقوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أي: علمه (4)، وقال: {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه: 98].
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: انفراد الله بالملك؛ لتقديم الخبر في قوله تعالى: {ولله المشرق والمغرب}.
2 - ومنها: عموم ملك الله؛ لأن المشرق والمغرب يحتويان كل شيء.
3 - ومنها: إحاطة الله تعالى بكل شيء؛ لقوله تعالى: {فأينما تولوا فثم وجه الله}.
4 - ومنها: عموم ملك الله تعالى للمشرق، والمغرب خلقاً وتقديراً؛ وله أن يوجه عباده إلى ما شاء منهما من مشرق ومغرب؛ فله ملك المشرق والمغرب توجيهاً؛ وقد سبق أن قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها ... } [البقرة: 106] إلى آيات نسخ القبلة كله تمهيد لتحويل القبلة؛ فكأن الله تعالى يقول: لله المشرق والمغرب فإذا شاء جعل اتجاه القبلة إلى المشرق؛ وإذا شاء جعله إلى المغرب؛ فأينما تولوا فثم وجه الله.
5 - ومنها: إثبات الوجه لله سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: {فثم وجه الله}.
6 - ومنها: أن الله تعالى له مكان لقوله تعالى: {فثم}؛ لأن «ثم» إشارة إلى المكان؛ ولكن مكانه في العلو؛ لا يحيط به شيء من مخلوقاته؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: «أين الله؟ قالت: في السماء» (?).
7 - ومنها: إبطال بدعتين ضالتين؛ إحداهما بدعة الحلولية القائلين بأن الله تعالى في كل مكان بذاته؛ فإن قول هؤلاء باطل يبطله السمع، والعقل، والفطرة أيضاً؛ الثانية: قول النفاة المعطلة الذين يقولون: إن الله لا داخل العالم، ولا خارجه؛ ولا فوق العالم، ولا تحته؛ ولا يمين العالم، ولا شمال العالم، ولا متصل بالعالم، ولا منفصل عن العالم؛ وهذا القول قال بعض أهل العلم: لو قيل لنا: صفوا لنا العدم ما وجدنا وصفاً أدق من هذا.
8 - ومن فوائد الآية: إثبات اسمين من أسماء الله؛ وهما: {واسع}، و {عليم}.
9 - ومنها: إثبات سعة الله، وعلمه؛ ونستفيد صفة ثالثة من جمع السعة والعلم؛ للإشارة إلى أن علم الله واسع بمعنى أنه لا يفوته شيء من كل معلوم لا في الأرض، ولا في السماء.
القرآن
{وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)} [البقرة: 116]
التفسير:
وقالت اليهود والنصارى والمشركون: اتخذ الله لنفسه ولدًا، تنزَّه الله -سبحانه- عن هذا القول الباطل، بل كل مَن في السموات والأرض ملكه وعبيده، وهم جميعًا خاضعون له، مسخَّرون تحت تدبيره.
وفي سبب نزول الآية أربعة أقوال (?):
أحدها: أنها نزلت في اليهود إذ جعلوا عزيرا ابن الله. قاله ابن عباس (?).
والثاني: أنها نزلت في نصارى نجران، حيث قالوا: عيسى ابن الله. قاله مقاتل (?)، ويمان (?). واقتصر الطبري على قوله: "هم النصارى الذين زعموا أن عيسى ابن الله" (?).