قال الشيخ السعدي: وقوله تعالى {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}، "فيه إثبات الوجه لله تعالى، على الوجه اللائق به تعالى، وأن لله وجها لا تشبهه الوجوه" (?).

واستدلوا على ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قِبَل وجهه" (?)، وبقوله "لا يزال الله مقبلا على عبده بوجهه ما دام مقبلًا عليه، فإذا انصرف صرف وجهه عنه" (?).

والثاني: معناه: الجهة، أي: قبلة الله. قاله مجاهد (?)، ونصره شيخ الإسلام ابن تيمية (?).

والعرب تجعل القصد الذي يتوجه إليه وجهًا (?)، كقول الشاعر (?):

أستغفر الله ذنبًا لستُ مُحْصِيه ... ربَّ العبادِ إليه الوجهُ والعملُ

معناه. إليه القصد، وعلى هذا القول معنى قوله: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أي: جهة الله التي تعبّدكم بالتوجه إليها، والإضافة تكون للتخصيص نحو: بيت الله، وناقة الله (?).

الثالث: وقيل: فثم تدركون بالتوجه إليه، رضا الله الذي له الوجه الكريم (?).

والراجح عندي: أن المراد به الوجه الحقيقي لله عزّ وجلّ؛ لأن ذلك هو الأصل؛ وليس هناك ما يمنعه؛ وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قِبَل وجه المصلي (?)؛ والمصلُّون حسب مكانهم يتجهون؛ فأهل اليمن يتجهون إلى الشمال؛ وأهل الشام إلى الجنوب؛ وأهل المشرق إلى المغرب؛ وأهل المغرب إلى الشرق؛ وكل يتجه جهة؛ لكن الاتجاه الذي يجمعهم الكعبة؛ وكل يتجه إلى وجه الله؛ وعلى هذا يكون معنى الآية: أنكم مهما توجهتم في صلاتكم فإنكم تتجهون إلى الله سواء إلى المشرق، أو إلى المغرب، أو إلى الشمال، أو إلى الجنوب (?).

وقرأ الحسن: " {فأينما تولوا}، بفتح التاء، من التولي، يريد: فأينما توجهوا القبلة" (?).

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 115]، "أي: فالله تعالى واسع الفضل والصفات عظيمها، عليم بسرائركم ونياتكم" (?).

قال السعدي: "فمن سعته وعلمه، وسع لكم الأمر، وقبل منكم المأمور، فله الحمد والشكر" (?).

قال المراغي: " أي إنه تعالى لا يحصر ولا يتحدد، فيصح ان يتوجه إليه فى كل مكان، وهو عليم بالمتوجه إليه أينما كان، فاعبدوه حيثما كنتم، وتوجهوا إليه أينما حللتم، ولا تتقيدوا بالأمكنة، والمعبود غير مقيد" (?).

قال الصابوني: " أي يسع الخلق بالجود والإِفضال، عليم بتدبير شئونهم، لا تخفى عليه خافية من أحوالهم" (?).

قال الزمخشري: " {واسِعٌ} الرحمة، يريد التوسعة على عباده والتيسير عليهم، {عَلِيمٌ} بمصالحهم" (?).

قال ابن عطية: " و {واسِعٌ}، معناه: متسع الرحمة عليهم أين يضعها ... {عَلِيمٌ} بالنيات التي هي ملاك العمل، وإن اختلفت ظواهره في قبلة وما أشبهها" (?).

قال الراغب: " ونبه بقوله: بـ {واسع}، على إحاطته بالأشياء، وبـ {العليم}، أنه لا يخفى عليه خافية" (?).

قال القاسمي: " بيان لشمول ملكوته لجميع الآفاق، المتسبب عنه سعة علمه. وفي ذلك تحذير من المعاصي وزجر عن ارتكابها. وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ نظير قوله: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ [الرحمن: 33]، وكقوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ [الحديد: 4] وقوله ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ [المجادلة: 7]، وقوله: رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً [غافر: 7]، أي عمّ كل شيء بعلمه وتدبيره وإحاطته به وعلوّه عليه" (?).

قال ابن عثيمين: " (الواسع) يعني واسع الإحاطة، وواسع الصفات؛ فهو واسع في علمه، وفي قدرته، وسمعه، وبصره، وغير ذلك من صفاته؛ و (عليم) أي ذو علم؛ وعلمه محيط بكل شيء" (?).

و(الواسع) في صفة الله تعالى على ثلاثة أوجه (?):

أحدها: أنه واسع بإفضاله على خلقه، واحتماله مسائل عباده، وأنه لا يُكرِثه إلحاحُهم، من قول العرب: فلان يسع ما يسأل، قال أبو زبيد (?):

أُعطيهم الجَهْدَ مني بَلْهَ ما أسِعُ

وهذا معنى قول الفراء (?) وأبي عبيدة (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015