تشريف بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده" (?).

وفي قوله تعالى: {أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114]، وجهان من التفسير (?):

أحدهما: أن يكون معناه: ومن أظلم ممن منع مساجد الله من أن يذكر فيها اسمه، فتكون " أن " حينئذ نصبا من قول بعض أهل العربية بفقد الخافض، وتعلق الفعل بها.

والثاني: أن يكون معناه: ومن أظلم ممن منع أن يذكر اسم الله في مساجده، فتكون " أن " حينئذ في موضع نصب، تكريرا على موضع المساجد وردا عليه.

وأصل السعي في اللغة: "الإسراع في المشي، قال الله عز وجل: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} [القصص: 20]. ثم يسمّى المشيُ سعيًا، كقوله: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 102]، يعنى المشي، وقال: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، أي: امشوا، وقال {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} [البقرة: 260]، أي: مشيًا. ثم يسمى العمل سعيًا، لأنه لا ينفك من السعي في غالب الأمر، قال الله تعالى: {فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19] وقال: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} [الحج: 51] أي: جدّوا في ذلك، وقال: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4]، أي: عملكم مختلف" (?).

قال الواحدي: "وأراد بالسعي في هذه الآية: العمل" (?).

وقوله {وَسَعَى} [البقرة: 114]، أي: اجتهد وبذل وسعه (فِي خَرَابِهَا) الحسي والمعنوي، فالخراب الحسي: هدمها وتخريبها، وتقذيرها، والخراب المعنوي: منع الذاكرين لاسم الله فيها، وهذا عام، لكل من اتصف بهذه الصفة، فيدخل في ذلك أصحاب الفيل، وقريش، حين صدوا رسول الله عنها عام الحديبية، والنصارى حين أخربوا بيت المقدس، وغيرهم من أنواع الظلمة، الساعين في خرابها، محادة لله، ومشاقة، فجازاهم الله، بأن منعهم دخولها شرعا وقدرا، إلا خائفين ذليلين، فلما أخافوا عباد الله، أخافهم الله، فالمشركون الذين صدوا رسوله، لم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يسيرا، حتى أذن الله له في فتح مكة، ومنع المشركين من قربان بيته، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}، وأصحاب الفيل، قد ذكر الله ما جرى عليهم، والنصارى، سلط الله عليهم المؤمنين، فأجلوهم عنه، وهكذا كل من اتصف بوصفهم، فلا بد أن يناله قسطه، وهذا من الآيات العظيمة، أخبر بها الباري قبل وقوعها، فوقعت كما أخبر، وقد واستدل العلماء بالآية الكريمة، على أنه لا يجوز تمكين الكفار من دخول المساجد" (?).

وقد أجمع المفسرون على أنه ليس المراد من هذه الآية مجرد بيان الشرط والجزاء، أعني مجرد بيان أن من فعل كذا فإن الله يفعل به كذا بل المراد منه بيان أن منهم من منع عمارة المساجد وسعى في خرابها، ثم أن الله تعالى جازاهم بما ذكر في الآية (?).

وفي الذي {مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} [البقرة: 114]، أربعة أقاويل (?):

أحدها: أنه بُخْتَ نصر وأصحابه من المجوس الذين خربوا بيت المقدس، وهذا قول قتادة (?).

والثاني: أنهم النصارى الذين أعانوا (بُخْتَ نَصّر) على خرابه، وهذا قول السدي (?)، واختاره الطبري (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015